ضم ابنك لصدرك
اقتبس من Mohammed barakat في 24 يوليو، 2020, 7:30 صضم ابنك إلى صدرك
لوحظ أن في عصرنا الحاضر العلاقة بين الآباء والأبناء قد فٌقِدت ولكن يا ترى لماذا
لماذا فُقدت هذه العلاقة الحميمة بين الآباء وأبنائهم ؟
دعونا نتفق أولاً أن عملية التربية دون نفوذ الأهل وهيبتهم ، أي دون مكانتهم داخل الأسرة كالبحّار في قارب بدون شراع ، و بدون دفة في بحر الحياة العاصفة. و أقصد بالهيبة جدارة الكبير غير المشكوك فيها ، و قوته ، و قيمته كما تراها عيون الأطفال … وما دامت هيبة الأهل أو مكانتهم ضرورية , فمن الهام جدّاً أن يبرز عمل الأب والأم أمام الطفل عملاً جدّياً يستحقّ الاِحترام , وأن تكون فضائل الأهل في عيون أطفالهم ذات قيمة حقيقة.
يقول "مكارينكو " : " لا تعتقدون أبداً أن تربيتكم لطفلكم تكون فقط عندما تتحدّثون معه أو تعلّمونه, أو تأمرونه بشيء معيّن . أنتم تقومون بتربيته في كلّ لحظة من حياتكم , في حضوركم وفي غيابكم , كيف تلبَسون , كيف تتكلمون مع الآخرين وعن الناس الآخرين , كيف تفرحون ,تحزنون , كيف تتعاملون مع أصدقائكم أو أعدائكم , كيف تضحكون , وحتّى كيف تقرؤون الجريدة .. كلّ هذه الأمور لها أهمّية كبيرة للطفل "
غالباً ما يتردّد السؤال ماذا نفعل مع الطفل إذا لم يسمع الكلمة , إذا لم يطع ؟
كلمة لا يطيع تعني أنه ليس للأهل مكانة في عيون أطفالهم .. تعني أنه ليس هناك علاقة صحيحة بين الآباء والأبناء , تعني فقدان الحوار بينهم .
لكي يتضح مفهوم هيبة الأهل والعلاقة الصحيحة في الأسرة, سأتحدث الآن عن أساليب خاطئة يلجأ إليها الأهل ظنّاً منهم أنهم بها يحقّقون مكانتهم ويبنون علاقة حوار مع أطفالهم , وبالتالي يحقّقون تربية صالحة …
ما هذه السياسات الخاطئة ؟
1- سياسة إملاء الشروط
( التحكّم )
و المقصود هنا سياسة الآباء الطغاة الذين يمارسون الاستبداد في عائلاتهم … إن التحكّم بالعائلة يسحق الاستقلالية والشعور بالكرامة الإنسانية عند بعض الأطفال. لا أحد يجادل في حقّ الأهل على أطفالهم انطلاقاً من أهداف التربية , ومعايير قيمنا وأخلاقنا , لكنّ اتخاذ أيّ رأي أو قرار على الصعيدين التربوي والأخلاقي ينبغي أن يقترن بالاحترام والثقة ….. إذا لم تحترم شخصاً ما لا يمكنك أن تقوم بأيّ عمل من أجله…
والأهل الذين يفضّلون الأوامر ولإلزام سيصطدمون لا محالة بمقاومة الطفل الذي سيردّ على الضغط والإكراه , وعلى التهديدات وإجراءات التأثير القاسية بإجراءات مضادة ؛ كالخداع والمراءاة , و أحياناً بثورات من الغضب قد توصل إلى الكره العلني للآباء . النفوذ الأعمى للأهل وتجاهل اهتمامات الطفل , وحرمانه من حقه في الكلام عند معالجة بعض المسائل المتعلّقة به , كفيل بالإخفاق في تشكّل الشخصيّة عنده ..
يقول أحد المربّين ما معناه : أن مساحة السيطرة الأبويّة يجب أن تكون ضيّقة حتّى تتيح للأطفال فرصة تكوين شخصيّة خاصة , وذوق راق وإبداع فعّال . الحسم الحازم الواضح والدقيق مع الأبناء ينتج أطفالاً أسوياء سعداء وحياة أسرية يسودها السلام .. الأب المحبّ الحازم الحاسم , المتسامح من دون تزمّت هو الأب الذي يعرف أن إحساسه يتجه إلى إنضاج أبنه بالتفاعل , لا بالقهر , وبالتفاهم لا بالقسر , بالحنان لا باللامبالاة ..
2- سياسة الوصاية :
إنّ سياسة إملاء الشروط والوصاية ظاهرة واحدة من حيث الجوهر , لكنّهما تختلفان بالشكل . فالوصاية تفترض العناية , إبعاد المصائب , المشاركة ا للطيفة , لكنّ النتيجة هي نفسها , إذ تغيب عند الأطفال الاستقلالية , ويبعدون عن معالجة المسائل التي تخصّهم شخصيّاً , فكيف بالأحرى , المسائل المتعلّقة بالأسرة . ويوضع الطفل في موضع عاجز وصغير .. والطفل الخاضع للوصاية يبعد عن الأعمال الصعبة وعن المسؤوليّات . إنّ الأهل الذين يقلقهم مصير أولادهم كي لا يقع على عاتقهم أيّة صعوبات , إنهم يرفضون الإعداد الجدّي للطفل لمواجهة الواقع خارج حدود المنزل…
3- سياسة المواجهة المستمرّة :
عندما يكون العداء والحرب زوّاراً دائمين في العائلة , من الصعب بناء أيّة علاقة بين الآباء والأبناء, وبالتالي حلول السلام بين هذه الأجيال, إذ تتراكم الحساسيات والمثيرات , وتزداد الإساءات المتبادلة , وتجبر المواجهة المستمرّة الأطراف على ملاحظة الجوانب الضعيفة للآخرين والمبالغة فيها . وتبدأ الشماتة بحجّة الإخفاق أو الأذيّة التي يلقيها كلّ منهم على عاتق الآخر . وتستمرّ الحرب الباردة حتّى يكبر الأطفال , ويبدؤون بالوقوف ضدّ أخلاق الخنوع والذلّ, وينتقلون بعدها إلى الحرب الساخنة , ويتحوّل الإخفاق التربوي إلى إ خفاق للأسرة ….
4- سياسة التعايش السلمي :
التعايش السلمي هنا من منطلق عدم التدخّل في شؤون الأطفال . الجميع هنا يبدون لائقين متأدّبين , لكلّ منهم أعماله , مشاكله , صعوباته , نجاحاته , الأهل يعملون والأولاد يدرسون , لكلّ منهم جوّه الخاص , ومجاله من النشاط . لا أحد يتخطّى الحدّ الفاصل , بالرغم من وجود بعض الأخطاء , أو سوء التفاهم . ويبدو الأهل مسرورين لأنهم يأخذون جانب الحياد …. إنّ الفصل بين عالم الطفل وعالم ا لكبار يعتمد غالباً على قاعدة تربويّة تقول : ليترعرع حراً مستقلا خالياً من القيود والأغلال … تكمن في أساس هذا النوع من العلاقات سلبيّة المربّي ( أباً أم أماً ) الذي يمتنع عن التدخّل الفعلي , مفضّلاً التعايش السلمي …. والعائلة هنا لا تعتبر بالنسبة للطفل مركزاً للجاذبيّة أو مركزاً عائليّا , ولا تعنيه حياة أهله على الإطلاق , لا أفراحهم ولا أتراحهم …
5- سياسة البعد ( أو ترك مسافة بين الأهل والأطفال ) :
هناك بعض الآباء وحتّى الأمّهات ممن يعتقدون جدّياً بأنه لكي يترعرع الأطفال مطيعين عليهم التقليل من الكلام معهم ( خصوصاً الأب ) , فيخلقون بينهم وبين أطفالهم مسافات مفترضين إنهم بذلك يوحون للأطفال بضرورة احترامهم , وبالتالي يثبّتون مكانتهم .. والأب في هذه الحالة غالباً ما ينقل أوامره لأسرته عَبْرَ الأم … ويوجد أيضاً بعض الأمهات اللواتي لديهنّ حياتهنّ الخاصة , وإهتمامتهنّ وأفكارهنّ التي تبعدهنّ عن أطفالهنّ حيث ان الأطفال يدورون في هذه الحالة في فلك جدّ اتهم أو أقربائهم .وواقع الأمر أن مكانة " المسافة " ليست مكانة ..
6- السياسة المرتكزة على القمع أو الكبح :
يقول " تولستوي " " إنّ الإكراه في التربية أو استخدام العنف يكون فقط نتيجة التسرّع وعدم الاحترام الكافي للطبيعة الإنسانية " .
إنّ الأب الذي يَحْنق من كلّ شيء حتّى من الأمور التافهة التي يقوم بها الطفل ويستشيط غضباً , ويهدّد ويتوعّد , وفد يسارع إلى العصا , بغضّ النظر إن كان
هذا السلوك يستدعي العقاب أم لا ويجيب عن أسئلة ابنه بفظاظة , ويعاقبه على كلّ خطيئة , تلك هي هيبة القمع .
تعيش الأسرة في هذه الحالة على أعصابها دائماً …..هذا النوع من العلاقة يسبّب الضرر , لا لأنه يرعب الأطفال فقط , بل لأنه يضع الأم على الهامش وكأنها غير موجودة , وتنحصر وظيفتها في القيام بخدمة الأسرة …. الأم التي تتحوّل إلى خادمة تفقد روعة وبهاء حياتها الشخصيّة العامرة , وتصبح أمّاً فاقدة القيمة, كما أنّ الأم التي تنحصر واجباتها في خدمة أطفالها فقط , تصبح عبده لهم , وليست أماً مربيّة … والطفل الذي ينشأ في بيت تقوم فيه المرأة بكلّ العمل , ويقوم فيه الرجل بالكسل , وإصدار التعليمات , هو طفل ينظر إلى دوره كإمبراطور كسول يطلب رضوخ كلّ من حوله له.. إنّ هذا النوع من العلاقة أيضاً تعلّم الأطفال تحاشي الآباء الظالمين , والتعوّد على الكذب والجبن وتربّي عندهم القساوة .. ومن هؤلاء يخرج الأطفال المظلومون المقهورون , ويصبحون في المستقبل تافهين ساذجين لا يصلحون لشيء أو طغاة يحاولون طوال حياتهم الانتقام لطفولتهم المقموعة .. هذه العلاقة تلاحظ عند الأهل غير المثقّفين…
7- السياسة المرتكزة على الكبرياء :
الأهل هنا يعتبرون أنفسهم شخصيات محترمة مهمّة جدّاً , ذات مكانة اجتماعية , يظهرون هذه الأهمّية في كلّ خطوة من خطواتهم حتّى مع أطفالهم , فهم يتحدّثون دائماً عن مآثرهم ويتعالون على الناس الآخرين . وغالباً ما يتسرّب ذلك إلى الأطفال الذين يبدؤون بالتشدّق أمام زملائهم بكلمات التبجّح (أبي مدير عام مهمّ – أبي شخصيّة مشهورة – أبي وزير – أبي ضابط ….الخ..).
أبناء هذه الأسر قد يصلون إلى مرحلة يضربون بها عرض الحائط كلّ المعايير والقيم الاجتماعية السائدة , لأنهم يشعرون , عن جهل , أنهم أكبر من هذه المعايير …
هذا النوع من الكبرياء نصادفه عند بعض الأمهات اللواتي يتفاخرن دائماً ؛ فستاني الجديد أحضرته من فرنسا أنا لا ألبس من هنا لأن الثياب هنا كالمدارس , أنا أعرف فلانة , أنا ألعب البر يدج في الميريديان ….كلّ هذه الأمور تعطي الأم الأساس لكي تنفصل عن معظم الناس الآخرين وحتّى عن أطفالها ..
8- السياسة المرتكزة على التدقيق في الشكليات :
يعير الأهل الكثير من الانتباه , في هذه الحالة , لأطفالهم ولكلّ تصرّفاتهم , وهم على ثقة بانّ أطفالهم ينبغي أن يطيعوا كلّ كلمة من كلماتهم دون تردّد , وكأنّ كلمتهم شيء مقدّس , يعطون أوامرهم بكلّ برود وهدوء , وبمجرّد انتهائهم من إعطاء الأمر يتحوّل إلى قانون .
إن هؤلاء الآباء مرهوبو الجانب و لا يتجرّأ الأطفال حتّى على التفكير بأنّ آباءهم يخطئون . والأب في هذه الأسرة إذا ما عاقب الطفل على أمر , واكتشف بعد ذلك بأنه غير مذنب فإنه لا يغيّر من عقابه شيئاً . وهؤلاء الآباء يرون في كلّ خطوة يخطونها أطفالهم مخالفة للنظام , ولذلك يرهقونهم بالأوامر , والطفل إذا ما شعر بضغوط من الانتباه الزائد من أمّه وأبيه , فإنه يتعثر في كلّ عمل يقوم به , وبالتالي يفقد الثقة بنفسه , وتمرّ حياته واهتماماته ونموّه من دون أن يلاحظها الأب , لأنه لا يرى سوى قيادته البيروقراطية في العائلة …
ينصح الدكتور سبوك هؤلاء الآباء بقوله : " أنتبها أيّها الأب والأم إلى ضرورة التقليل من المراقبة الصارمة للأطفال , التقليل من التحذيرات , التوجيهات , الممنوعات , التوبيخ الأوتوماتيكي " . ويركّز على الطفل الأوّل فيقول :" إنّ الطفل الأوّل يعاني من الثقل الشديد على أكتافه الصغيرة . (الاهتمام الجشع من أبوبه وكلّ من حوله بما يفعل ) ولذلك لا يستطيع أن يكوّن شخصيّة مستقلّة بالنسبة للوالدين ". ثمّ يضيف : " يحتاج الطفل إلى أن تحبّه وأن تحتضنه لا أن نحاصره , يحتاج إلى الرعاية الممزوجة بالثقة , يحتاج إلى أن تعلّمه كلّ جديد دون أن تكرهه . باختصار لا تجعل أكتاف طفلك ملعباً تلهو فيه بكرة القلق الزائد "
9- السياسة المتركزة على الوعظ :
يضيّق الأهل جدّا في هذه الحالة على حياة الأطفال بإرشاداتهم ونصائحهم اللانهائيّة ,إنّ الأهل هنا واثقون بأن رأس الحكمة التربوية موجود في هذه النصائح . في أسرة كهذه يقّل الفرح , الابتسامات , ويسعى الأهل ما في وسعهم أن يكونوا طبيعيين , وان لا يخطئوا أمام أطفالهم , ولكن يغيب عن بالهم بأنّ الأطفال ليسوا كباراً , ولهم حياتهم الخاصّة , والواجب احترام هذه الحياة .
الطفل أكثر انفعالية وأكثر شغفاً من الكبار في كلّ شيء , وأقلّ ما يشغل باله هو المحاكمات العقليّة , والمناقشات …. لأنّ عادة التفكير يتملّكها الطفل بالتدريج وببطء . أمّا التشدّق الدائم للأهل بالكلام لا يترك أثراً يذكر في وعي الأطفال , ولا يرى الأطفال في وعظ الأهل الدائم أيّة أهميّة …
10- السياسة المرتكزة على الحبّ :
إنّه النوع الأكثر انتشارا من أنواع العلاقات الأسرية الكاذبة , ….وسأوضّح …
يعتقد الكثير من الأهل بأنه ينبغي على الأطفال لكي يطيعوا أن يحبّوا أهلهم , ولكي يكون الأهل جديرين بهذا الحبّ عليهم أن يظهروه في كلّ خطوة من خطواتهم … الكلمات اللطيفة , القبل اللانهائية , البشاشة , الامتنان , كلّ ذلك ينهال على الطفل بكمّيات هائلة . وإذا صادف ورفض الطفل أحد الأوامر يقولون له مباشرة : هذا يعني انك لا تحبّ البابا , أولا تحب الماما مع متابعتهم بغَيْرة زائدة للتعابير التي ترتسم على وجوه أطفالهم . ( تلجأ بعض الأمهات وبحضور الأطفال إلى التحدّث مع الجيران عن الطفل : انه بحبّ أباه كثيراً ويحبّني أيضاً هو ولد لطيف , مطيع )
غالباً ما تغوص هذه الأسر في بحر من العواطف والمشاعر الرقراقة , غير ملاحظين حتّى الأمور الصغيرة في التربية العائليّة . في هذا الجوّ تترعرع الأنانية العائلية . ويتعلّم الأطفال بكلّ سهولة انه يمكن خداع أهلهم , شرط أن يجري ذلك بعبارات رقيقة , كما ويتعوّدون مستقبلاً استرضاء الناس ومداراتهم لكي ينالوا حُظوتهم .
إنه نوع خطير من أنواع العلاقة لأنه يُنشىء ضمن الأسرة اناساً أنانيين كاذبين , ومع الناس مداهنين ومراوغين ….
11- السياسة المرتكزة على الصداقة :
يتفق الأهل أن يكونوا مع الأطفال أصدقاء لهم . عموماً هذا جيّد , فالأب يصادق ابنه والأم تصادق ابنتها , ولكنّ الأهل يبقون الأعضاء الكبار في العائلة , الذين يقومون بالتربية , والأطفال يبقون صغاراً ويخضعون للتربية … الى هنا الأمور جيّدة , لكن إذا تخطّت الصداقة حدودها , فإنّ التربية تتوقّف وتبدأ عملية عكسية , يبدأ الأطفال بتربية آبائهم . ويمكننا أن نلاحظ أمثال هذه الأثر وسط المثقّفين …
وغالباً ما ينادي الأطفال في هذه الأسر آباءهم بأسمائهم من باب التحبّب .ويقاطعونهم مرّات كثيرة بخشونة ( يقول الابن للأب شو ها ألحكي يا بابا هذا غير صحيح , من يسمعك ماذا سيقول عنك , ماما كفاك مبالغة لم تجري الأحداث هكذا ….أخ…) لا لأنهم يقصدون تصغيرهم فعلاً , بل لأن الهيبة والاحترام كانا قد تسرّبا تدريجيّاً مع نموّ علاقة من هذا النوع ..
يقول الدكتور سبوك : إنّ احترام الآباء للأبناء أمر أساس وهام . هذه هي الحقيقة النهائيّة التي يمكن أن نستخلصها من كلّ القواعد والنظريّات التي ظهرت في النصف الأخير من القرن العشرين .
لكنّ الاحترام لا يجوز أن يتحوّل إلى ستار نخفي وراءه ضعفنا , أن نهرب خلفه من ممارسة مسؤوليتنا نحن الآباء , وليس جائزا لنا أن نكبت غضبنا بدعوى أننا نخشى على الأبناء من الكبت فنعيش في حالة غيظ , ويعيش الأبناء في حالة استهتار, كما أنه ليس جائزاً لنا أن نحوّل غضبنا إلى قسوة مبالغ فيها بإهدار إنسانية الأبناء , لأن هذا الإهدار يزرع في نفوسهم التشاؤم ويلقيهم في أحضان الإحساس بفقدان القيمة والاعتبار …
لتبدأ ببناء صداقة حقيقيّة مع ابنك . لتبني حواراً بنّاء عليك أن تقاوم أيّ ميل للانتقاد أو اللامبالاة بما يقوله الابن ….
12- السياسة المرتكزة على الرشوة :
فيها يتِمّ شراء الطاعة بالهدايا والوعود الطيّبة . يقول الأب مثلاً : إذا أطعتني وفعلت ما قلته سوف أشتري لك لعبة , أو سوف آخذك الى مدينة الملاهي . هذا التصرّف لا ينفي اسلوب التشجيع , لكنّ الخطأ يكمن في إعطاء الجائزة للطفل جزاء طاعته و جزاء علاقته الطيّبة بأبويه …
قد تقدّمون له جائزة كمكافأة على علامات جيّدة حصّلها , أو عمل صعب كلّف به وأدّاه , وهذا هو أسلوب التشجيع , أما الحصول على الجائزة أو الوعود بشكل مسبق , فهذه هي الرشوة بعينها .
لقد تعرّفنا على عدّة أنواع من السياسات أو العلاقات غير السليمة أو الصحيحة . بقي أن نذكر هنا أنه يحدث أحياناً أن يتمسّك الأب بنوع من أنواع العلاقات , وتتمسّك الأم بنوع آخر , فأطفال هذه الأسرة يصبحون دبلوماسيّين ويتعلّمون المناورة تارة باتجاه الأب وتارة أخرى باتجاه الأم …
ضم ابنك إلى صدرك
لوحظ أن في عصرنا الحاضر العلاقة بين الآباء والأبناء قد فٌقِدت ولكن يا ترى لماذا
لماذا فُقدت هذه العلاقة الحميمة بين الآباء وأبنائهم ؟
دعونا نتفق أولاً أن عملية التربية دون نفوذ الأهل وهيبتهم ، أي دون مكانتهم داخل الأسرة كالبحّار في قارب بدون شراع ، و بدون دفة في بحر الحياة العاصفة. و أقصد بالهيبة جدارة الكبير غير المشكوك فيها ، و قوته ، و قيمته كما تراها عيون الأطفال … وما دامت هيبة الأهل أو مكانتهم ضرورية , فمن الهام جدّاً أن يبرز عمل الأب والأم أمام الطفل عملاً جدّياً يستحقّ الاِحترام , وأن تكون فضائل الأهل في عيون أطفالهم ذات قيمة حقيقة.
يقول "مكارينكو " : " لا تعتقدون أبداً أن تربيتكم لطفلكم تكون فقط عندما تتحدّثون معه أو تعلّمونه, أو تأمرونه بشيء معيّن . أنتم تقومون بتربيته في كلّ لحظة من حياتكم , في حضوركم وفي غيابكم , كيف تلبَسون , كيف تتكلمون مع الآخرين وعن الناس الآخرين , كيف تفرحون ,تحزنون , كيف تتعاملون مع أصدقائكم أو أعدائكم , كيف تضحكون , وحتّى كيف تقرؤون الجريدة .. كلّ هذه الأمور لها أهمّية كبيرة للطفل "
غالباً ما يتردّد السؤال ماذا نفعل مع الطفل إذا لم يسمع الكلمة , إذا لم يطع ؟
كلمة لا يطيع تعني أنه ليس للأهل مكانة في عيون أطفالهم .. تعني أنه ليس هناك علاقة صحيحة بين الآباء والأبناء , تعني فقدان الحوار بينهم .
لكي يتضح مفهوم هيبة الأهل والعلاقة الصحيحة في الأسرة, سأتحدث الآن عن أساليب خاطئة يلجأ إليها الأهل ظنّاً منهم أنهم بها يحقّقون مكانتهم ويبنون علاقة حوار مع أطفالهم , وبالتالي يحقّقون تربية صالحة …
ما هذه السياسات الخاطئة ؟
1- سياسة إملاء الشروط
( التحكّم )
و المقصود هنا سياسة الآباء الطغاة الذين يمارسون الاستبداد في عائلاتهم … إن التحكّم بالعائلة يسحق الاستقلالية والشعور بالكرامة الإنسانية عند بعض الأطفال. لا أحد يجادل في حقّ الأهل على أطفالهم انطلاقاً من أهداف التربية , ومعايير قيمنا وأخلاقنا , لكنّ اتخاذ أيّ رأي أو قرار على الصعيدين التربوي والأخلاقي ينبغي أن يقترن بالاحترام والثقة ….. إذا لم تحترم شخصاً ما لا يمكنك أن تقوم بأيّ عمل من أجله…
والأهل الذين يفضّلون الأوامر ولإلزام سيصطدمون لا محالة بمقاومة الطفل الذي سيردّ على الضغط والإكراه , وعلى التهديدات وإجراءات التأثير القاسية بإجراءات مضادة ؛ كالخداع والمراءاة , و أحياناً بثورات من الغضب قد توصل إلى الكره العلني للآباء . النفوذ الأعمى للأهل وتجاهل اهتمامات الطفل , وحرمانه من حقه في الكلام عند معالجة بعض المسائل المتعلّقة به , كفيل بالإخفاق في تشكّل الشخصيّة عنده ..
يقول أحد المربّين ما معناه : أن مساحة السيطرة الأبويّة يجب أن تكون ضيّقة حتّى تتيح للأطفال فرصة تكوين شخصيّة خاصة , وذوق راق وإبداع فعّال . الحسم الحازم الواضح والدقيق مع الأبناء ينتج أطفالاً أسوياء سعداء وحياة أسرية يسودها السلام .. الأب المحبّ الحازم الحاسم , المتسامح من دون تزمّت هو الأب الذي يعرف أن إحساسه يتجه إلى إنضاج أبنه بالتفاعل , لا بالقهر , وبالتفاهم لا بالقسر , بالحنان لا باللامبالاة ..
2- سياسة الوصاية :
إنّ سياسة إملاء الشروط والوصاية ظاهرة واحدة من حيث الجوهر , لكنّهما تختلفان بالشكل . فالوصاية تفترض العناية , إبعاد المصائب , المشاركة ا للطيفة , لكنّ النتيجة هي نفسها , إذ تغيب عند الأطفال الاستقلالية , ويبعدون عن معالجة المسائل التي تخصّهم شخصيّاً , فكيف بالأحرى , المسائل المتعلّقة بالأسرة . ويوضع الطفل في موضع عاجز وصغير .. والطفل الخاضع للوصاية يبعد عن الأعمال الصعبة وعن المسؤوليّات . إنّ الأهل الذين يقلقهم مصير أولادهم كي لا يقع على عاتقهم أيّة صعوبات , إنهم يرفضون الإعداد الجدّي للطفل لمواجهة الواقع خارج حدود المنزل…
3- سياسة المواجهة المستمرّة :
عندما يكون العداء والحرب زوّاراً دائمين في العائلة , من الصعب بناء أيّة علاقة بين الآباء والأبناء, وبالتالي حلول السلام بين هذه الأجيال, إذ تتراكم الحساسيات والمثيرات , وتزداد الإساءات المتبادلة , وتجبر المواجهة المستمرّة الأطراف على ملاحظة الجوانب الضعيفة للآخرين والمبالغة فيها . وتبدأ الشماتة بحجّة الإخفاق أو الأذيّة التي يلقيها كلّ منهم على عاتق الآخر . وتستمرّ الحرب الباردة حتّى يكبر الأطفال , ويبدؤون بالوقوف ضدّ أخلاق الخنوع والذلّ, وينتقلون بعدها إلى الحرب الساخنة , ويتحوّل الإخفاق التربوي إلى إ خفاق للأسرة ….
4- سياسة التعايش السلمي :
التعايش السلمي هنا من منطلق عدم التدخّل في شؤون الأطفال . الجميع هنا يبدون لائقين متأدّبين , لكلّ منهم أعماله , مشاكله , صعوباته , نجاحاته , الأهل يعملون والأولاد يدرسون , لكلّ منهم جوّه الخاص , ومجاله من النشاط . لا أحد يتخطّى الحدّ الفاصل , بالرغم من وجود بعض الأخطاء , أو سوء التفاهم . ويبدو الأهل مسرورين لأنهم يأخذون جانب الحياد …. إنّ الفصل بين عالم الطفل وعالم ا لكبار يعتمد غالباً على قاعدة تربويّة تقول : ليترعرع حراً مستقلا خالياً من القيود والأغلال … تكمن في أساس هذا النوع من العلاقات سلبيّة المربّي ( أباً أم أماً ) الذي يمتنع عن التدخّل الفعلي , مفضّلاً التعايش السلمي …. والعائلة هنا لا تعتبر بالنسبة للطفل مركزاً للجاذبيّة أو مركزاً عائليّا , ولا تعنيه حياة أهله على الإطلاق , لا أفراحهم ولا أتراحهم …
5- سياسة البعد ( أو ترك مسافة بين الأهل والأطفال ) :
هناك بعض الآباء وحتّى الأمّهات ممن يعتقدون جدّياً بأنه لكي يترعرع الأطفال مطيعين عليهم التقليل من الكلام معهم ( خصوصاً الأب ) , فيخلقون بينهم وبين أطفالهم مسافات مفترضين إنهم بذلك يوحون للأطفال بضرورة احترامهم , وبالتالي يثبّتون مكانتهم .. والأب في هذه الحالة غالباً ما ينقل أوامره لأسرته عَبْرَ الأم … ويوجد أيضاً بعض الأمهات اللواتي لديهنّ حياتهنّ الخاصة , وإهتمامتهنّ وأفكارهنّ التي تبعدهنّ عن أطفالهنّ حيث ان الأطفال يدورون في هذه الحالة في فلك جدّ اتهم أو أقربائهم .وواقع الأمر أن مكانة " المسافة " ليست مكانة ..
6- السياسة المرتكزة على القمع أو الكبح :
يقول " تولستوي " " إنّ الإكراه في التربية أو استخدام العنف يكون فقط نتيجة التسرّع وعدم الاحترام الكافي للطبيعة الإنسانية " .
إنّ الأب الذي يَحْنق من كلّ شيء حتّى من الأمور التافهة التي يقوم بها الطفل ويستشيط غضباً , ويهدّد ويتوعّد , وفد يسارع إلى العصا , بغضّ النظر إن كان
هذا السلوك يستدعي العقاب أم لا ويجيب عن أسئلة ابنه بفظاظة , ويعاقبه على كلّ خطيئة , تلك هي هيبة القمع .
تعيش الأسرة في هذه الحالة على أعصابها دائماً …..هذا النوع من العلاقة يسبّب الضرر , لا لأنه يرعب الأطفال فقط , بل لأنه يضع الأم على الهامش وكأنها غير موجودة , وتنحصر وظيفتها في القيام بخدمة الأسرة …. الأم التي تتحوّل إلى خادمة تفقد روعة وبهاء حياتها الشخصيّة العامرة , وتصبح أمّاً فاقدة القيمة, كما أنّ الأم التي تنحصر واجباتها في خدمة أطفالها فقط , تصبح عبده لهم , وليست أماً مربيّة … والطفل الذي ينشأ في بيت تقوم فيه المرأة بكلّ العمل , ويقوم فيه الرجل بالكسل , وإصدار التعليمات , هو طفل ينظر إلى دوره كإمبراطور كسول يطلب رضوخ كلّ من حوله له.. إنّ هذا النوع من العلاقة أيضاً تعلّم الأطفال تحاشي الآباء الظالمين , والتعوّد على الكذب والجبن وتربّي عندهم القساوة .. ومن هؤلاء يخرج الأطفال المظلومون المقهورون , ويصبحون في المستقبل تافهين ساذجين لا يصلحون لشيء أو طغاة يحاولون طوال حياتهم الانتقام لطفولتهم المقموعة .. هذه العلاقة تلاحظ عند الأهل غير المثقّفين…
7- السياسة المرتكزة على الكبرياء :
الأهل هنا يعتبرون أنفسهم شخصيات محترمة مهمّة جدّاً , ذات مكانة اجتماعية , يظهرون هذه الأهمّية في كلّ خطوة من خطواتهم حتّى مع أطفالهم , فهم يتحدّثون دائماً عن مآثرهم ويتعالون على الناس الآخرين . وغالباً ما يتسرّب ذلك إلى الأطفال الذين يبدؤون بالتشدّق أمام زملائهم بكلمات التبجّح (أبي مدير عام مهمّ – أبي شخصيّة مشهورة – أبي وزير – أبي ضابط ….الخ..).
أبناء هذه الأسر قد يصلون إلى مرحلة يضربون بها عرض الحائط كلّ المعايير والقيم الاجتماعية السائدة , لأنهم يشعرون , عن جهل , أنهم أكبر من هذه المعايير …
هذا النوع من الكبرياء نصادفه عند بعض الأمهات اللواتي يتفاخرن دائماً ؛ فستاني الجديد أحضرته من فرنسا أنا لا ألبس من هنا لأن الثياب هنا كالمدارس , أنا أعرف فلانة , أنا ألعب البر يدج في الميريديان ….كلّ هذه الأمور تعطي الأم الأساس لكي تنفصل عن معظم الناس الآخرين وحتّى عن أطفالها ..
8- السياسة المرتكزة على التدقيق في الشكليات :
يعير الأهل الكثير من الانتباه , في هذه الحالة , لأطفالهم ولكلّ تصرّفاتهم , وهم على ثقة بانّ أطفالهم ينبغي أن يطيعوا كلّ كلمة من كلماتهم دون تردّد , وكأنّ كلمتهم شيء مقدّس , يعطون أوامرهم بكلّ برود وهدوء , وبمجرّد انتهائهم من إعطاء الأمر يتحوّل إلى قانون .
إن هؤلاء الآباء مرهوبو الجانب و لا يتجرّأ الأطفال حتّى على التفكير بأنّ آباءهم يخطئون . والأب في هذه الأسرة إذا ما عاقب الطفل على أمر , واكتشف بعد ذلك بأنه غير مذنب فإنه لا يغيّر من عقابه شيئاً . وهؤلاء الآباء يرون في كلّ خطوة يخطونها أطفالهم مخالفة للنظام , ولذلك يرهقونهم بالأوامر , والطفل إذا ما شعر بضغوط من الانتباه الزائد من أمّه وأبيه , فإنه يتعثر في كلّ عمل يقوم به , وبالتالي يفقد الثقة بنفسه , وتمرّ حياته واهتماماته ونموّه من دون أن يلاحظها الأب , لأنه لا يرى سوى قيادته البيروقراطية في العائلة …
ينصح الدكتور سبوك هؤلاء الآباء بقوله : " أنتبها أيّها الأب والأم إلى ضرورة التقليل من المراقبة الصارمة للأطفال , التقليل من التحذيرات , التوجيهات , الممنوعات , التوبيخ الأوتوماتيكي " . ويركّز على الطفل الأوّل فيقول :" إنّ الطفل الأوّل يعاني من الثقل الشديد على أكتافه الصغيرة . (الاهتمام الجشع من أبوبه وكلّ من حوله بما يفعل ) ولذلك لا يستطيع أن يكوّن شخصيّة مستقلّة بالنسبة للوالدين ". ثمّ يضيف : " يحتاج الطفل إلى أن تحبّه وأن تحتضنه لا أن نحاصره , يحتاج إلى الرعاية الممزوجة بالثقة , يحتاج إلى أن تعلّمه كلّ جديد دون أن تكرهه . باختصار لا تجعل أكتاف طفلك ملعباً تلهو فيه بكرة القلق الزائد "
9- السياسة المتركزة على الوعظ :
يضيّق الأهل جدّا في هذه الحالة على حياة الأطفال بإرشاداتهم ونصائحهم اللانهائيّة ,إنّ الأهل هنا واثقون بأن رأس الحكمة التربوية موجود في هذه النصائح . في أسرة كهذه يقّل الفرح , الابتسامات , ويسعى الأهل ما في وسعهم أن يكونوا طبيعيين , وان لا يخطئوا أمام أطفالهم , ولكن يغيب عن بالهم بأنّ الأطفال ليسوا كباراً , ولهم حياتهم الخاصّة , والواجب احترام هذه الحياة .
الطفل أكثر انفعالية وأكثر شغفاً من الكبار في كلّ شيء , وأقلّ ما يشغل باله هو المحاكمات العقليّة , والمناقشات …. لأنّ عادة التفكير يتملّكها الطفل بالتدريج وببطء . أمّا التشدّق الدائم للأهل بالكلام لا يترك أثراً يذكر في وعي الأطفال , ولا يرى الأطفال في وعظ الأهل الدائم أيّة أهميّة …
10- السياسة المرتكزة على الحبّ :
إنّه النوع الأكثر انتشارا من أنواع العلاقات الأسرية الكاذبة , ….وسأوضّح …
يعتقد الكثير من الأهل بأنه ينبغي على الأطفال لكي يطيعوا أن يحبّوا أهلهم , ولكي يكون الأهل جديرين بهذا الحبّ عليهم أن يظهروه في كلّ خطوة من خطواتهم … الكلمات اللطيفة , القبل اللانهائية , البشاشة , الامتنان , كلّ ذلك ينهال على الطفل بكمّيات هائلة . وإذا صادف ورفض الطفل أحد الأوامر يقولون له مباشرة : هذا يعني انك لا تحبّ البابا , أولا تحب الماما مع متابعتهم بغَيْرة زائدة للتعابير التي ترتسم على وجوه أطفالهم . ( تلجأ بعض الأمهات وبحضور الأطفال إلى التحدّث مع الجيران عن الطفل : انه بحبّ أباه كثيراً ويحبّني أيضاً هو ولد لطيف , مطيع )
غالباً ما تغوص هذه الأسر في بحر من العواطف والمشاعر الرقراقة , غير ملاحظين حتّى الأمور الصغيرة في التربية العائليّة . في هذا الجوّ تترعرع الأنانية العائلية . ويتعلّم الأطفال بكلّ سهولة انه يمكن خداع أهلهم , شرط أن يجري ذلك بعبارات رقيقة , كما ويتعوّدون مستقبلاً استرضاء الناس ومداراتهم لكي ينالوا حُظوتهم .
إنه نوع خطير من أنواع العلاقة لأنه يُنشىء ضمن الأسرة اناساً أنانيين كاذبين , ومع الناس مداهنين ومراوغين ….
11- السياسة المرتكزة على الصداقة :
يتفق الأهل أن يكونوا مع الأطفال أصدقاء لهم . عموماً هذا جيّد , فالأب يصادق ابنه والأم تصادق ابنتها , ولكنّ الأهل يبقون الأعضاء الكبار في العائلة , الذين يقومون بالتربية , والأطفال يبقون صغاراً ويخضعون للتربية … الى هنا الأمور جيّدة , لكن إذا تخطّت الصداقة حدودها , فإنّ التربية تتوقّف وتبدأ عملية عكسية , يبدأ الأطفال بتربية آبائهم . ويمكننا أن نلاحظ أمثال هذه الأثر وسط المثقّفين …
وغالباً ما ينادي الأطفال في هذه الأسر آباءهم بأسمائهم من باب التحبّب .ويقاطعونهم مرّات كثيرة بخشونة ( يقول الابن للأب شو ها ألحكي يا بابا هذا غير صحيح , من يسمعك ماذا سيقول عنك , ماما كفاك مبالغة لم تجري الأحداث هكذا ….أخ…) لا لأنهم يقصدون تصغيرهم فعلاً , بل لأن الهيبة والاحترام كانا قد تسرّبا تدريجيّاً مع نموّ علاقة من هذا النوع ..
يقول الدكتور سبوك : إنّ احترام الآباء للأبناء أمر أساس وهام . هذه هي الحقيقة النهائيّة التي يمكن أن نستخلصها من كلّ القواعد والنظريّات التي ظهرت في النصف الأخير من القرن العشرين .
لكنّ الاحترام لا يجوز أن يتحوّل إلى ستار نخفي وراءه ضعفنا , أن نهرب خلفه من ممارسة مسؤوليتنا نحن الآباء , وليس جائزا لنا أن نكبت غضبنا بدعوى أننا نخشى على الأبناء من الكبت فنعيش في حالة غيظ , ويعيش الأبناء في حالة استهتار, كما أنه ليس جائزاً لنا أن نحوّل غضبنا إلى قسوة مبالغ فيها بإهدار إنسانية الأبناء , لأن هذا الإهدار يزرع في نفوسهم التشاؤم ويلقيهم في أحضان الإحساس بفقدان القيمة والاعتبار …
لتبدأ ببناء صداقة حقيقيّة مع ابنك . لتبني حواراً بنّاء عليك أن تقاوم أيّ ميل للانتقاد أو اللامبالاة بما يقوله الابن ….
12- السياسة المرتكزة على الرشوة :
فيها يتِمّ شراء الطاعة بالهدايا والوعود الطيّبة . يقول الأب مثلاً : إذا أطعتني وفعلت ما قلته سوف أشتري لك لعبة , أو سوف آخذك الى مدينة الملاهي . هذا التصرّف لا ينفي اسلوب التشجيع , لكنّ الخطأ يكمن في إعطاء الجائزة للطفل جزاء طاعته و جزاء علاقته الطيّبة بأبويه …
قد تقدّمون له جائزة كمكافأة على علامات جيّدة حصّلها , أو عمل صعب كلّف به وأدّاه , وهذا هو أسلوب التشجيع , أما الحصول على الجائزة أو الوعود بشكل مسبق , فهذه هي الرشوة بعينها .
لقد تعرّفنا على عدّة أنواع من السياسات أو العلاقات غير السليمة أو الصحيحة . بقي أن نذكر هنا أنه يحدث أحياناً أن يتمسّك الأب بنوع من أنواع العلاقات , وتتمسّك الأم بنوع آخر , فأطفال هذه الأسرة يصبحون دبلوماسيّين ويتعلّمون المناورة تارة باتجاه الأب وتارة أخرى باتجاه الأم …