من المسائل التي تهم معلم اليوم التفكير في الطرق التي تعينه على فهم تلاميذه، وإذا كانت هذه مسألةً هامةً فعلاً فان أهميتها تزداد يوماً بعد يوم مع التوسع الحادث في التعليم ومع اختلاف قدرات التلاميذ الذين يضمهم الفصل الواحد. والمعلم مهما كان إعداده النظري وسعة اطلاعه في علوم التربية وعلم النفس فإنه لن يستطيع أن يؤدي عمله بنجاح إن لم يحاول جديـاً أن يـتفهم احـتياجات الـتلاميذ ويتعرف على مواطن الضعف والقوة عندهم .
ويتضح دور المعلم في التربية الحديثة في النقاط التالية:
أولا ً: فهم المعلم لنفسه وتقديره لحالته الجسمانية والصحية:
إن فهم الإنسان لنفسه ليس بالأمر السهل، بل إن من أصعب الدروس على الإنسان أن يعرف نقاط ضـعفه ومواطن قوته، أو أن يعرف أخطاءه وأن يغير ما يستطيع تغييره منها ثم يقبل أن يعيـش وهو يعتقد أنه رغـم هذه الأخطاء شخصاً له كيانه وقدراته التي تمكنه من أن يقوم بالأعمال المطلوبة منه. والمعلم الذي لا يستطيع أن يفهم نفسه أولآً لن يستطيع أن يفهم تلاميذه أو زملاءه أو الذين يلتقي بهم من خلال عمله من أولياء أمور. فعلى المعلم أن يدرك أنه شخصيةً متميزةٌ وفريدةٌ قائمةٌ بذاتها ، له سماته ومواهبه الخاصة وقدراته العقلية، وأنه ليس محـتاجاً إلى أن يحوّل نفسه إلى شخصية أخرى، بل كل ما ينبغي عليه هو أن يسـتغل هذه السمات وأن يـتعلم كيف ينتفع بقدراته في صالح التلاميذ. وعلى المعلم أن يدرك كذلك أن التدريس مهنة شاقة وهي على صعوبتها لا تـقتصر على العمل داخل الفصل، بل إن نصف العمل يتم داخل الفصل والنصف الآخر يسـتدعي أعمالاً قد يظن البعض أنها عـبئاً على التدريس، على سبيل المثال “مقابلة أولياء الأمور والأهالي في البيئة، الاجتماعات مع إدارة المدرسة، إعداد الدروس، والأنشطة”. كما أن المعلم يستخدم صوته على مدى اليوم الدراسي، كما يستخدم عينيه في القراءة والكتابة. وعلى هذا فان الحالة الجسمية والصحية للمعلم هي من بين العتاد الذي يتسلح به، فينبغي أن يقدرها حق قدرها، فيفهم مواطن الضعف فيها حتى يتجنب مضاعفتها ، ومواطن القوة فيحافظ عليها ليعيش سليماً مما يساعده على قيامه بأعباء التدريس .
ثانياً: الهيئة العامة والمظهر الخارجي للمعلم:
يحترم التلميذ المعلم إذا ما توفرت فيه سمات معينة، فمن خلال هندامه المتزن وملابسه ونظافتها وترتيبها، ومن خلال سلوكه في الفصل يقترب التلميذ من معلمه، كما يجب أن يتجنب المعلم التحدث بصوت عال أجش، وأن يتجنب العصبية، كما يجب أن تتسم تصرفاته مع تلاميذه بالنضج، وأن يلتزم الحشمة والوقار.
ثالثاً: حاجة المعلم إلى المرونة وسرعة البديهة:
يتوقف مدى تقدم التلاميذ ومقدار الخبرات التي يتعلمونها على سرعة إحساس المعلم بموقف معين يمر به التلاميذ، فكثيراً ما يواجهون صعوبات في مواقف لا يتوقعها المعلم، وهم في مثل هذا الموقف يريدون تفسيراً لها، بل كثيراً ما يصوغ التلاميذ أسئلتهم بأسلوب غير سليم أو بألفاظ غير واضحة، وهم في مثل هذا الموقف يحتاجون إلى تصحيح الأسلوب. ومن المسلم به أن هناك بعض الأفراد الذين لا يملكون القدرة على التفكير السليم السهل، كما أنه ليس باستطاعة كل شخص أن يرى نهاية الموقف من بداية الطريق أو أن يصل إلى النتيجة المرجوة بيسر وسهولة. وهناك آخرون ممن يتلكؤون في التفكير وتدبير الأمور، وهناك أيضا أولئك الذين يستطيعون أن يمسكوا بأكثر من خيط في وقت واحد وأن يفهموا أكثر من نقطة أو وجهة نظر أثناء مناقشة أي موضوع. والمعلم الذكي هو الذي يتعرف على النقاط والمواقع التي تعيق فهم التلاميذ، ويكون مستعداً لتقديم المعونة فيها ويربط بين المعلومات الحالية والمعلومات السابقة التي اكتسبها التلاميذ من قبل.
وهنا يجدر بالمعلم أن يحضر إلى الفصل وهو مستعد لاستخدام طرق ووسائل توفر له التفكير المرتب والفهم الصحيح. وقد يكون المعلم من النوع الذي يتعجل الأمور ويقفز إلى النتائج قبل أن يسمع ما يريد أن يقوله التلميذ دون أن يتيح للتلميذ فرصة الـتفكير، أو يجذب الفصل كله للمشاركة في الحل إذا كانت المشكلة تستدعي ذلك. فعلى المعلم ألا يقدم للتلاميذ مناقشات عاجلة سريعة، بل عليه أن يستخدم في تدريسه الوسائل والأساليب المختلفة التي تعين التلاميذ على التفكير والوصول إلى الحلول الملائمة.
رابعاً: حاجة المعلم إلى التعرف على التراث الثقافي للمجتمع:
إن مسئولية المعلم لا تنحصر في التعليم فقط بل هو مسئول كذلك عن معاونة تلاميذه في إدراك العالم الذي من حولهم مبتدئا بالبيئة الصغيرة التي يتحركون فيها “حي ، قرية” ثم إلى الدائرة الأوسع قليلا “مركز ، مدينة” ثم الوطن ثم العالم الإسلامي فالعالم الخارجي. فالمعلم بمثابة المفتاح الذي يفتح أمام تلاميذه أبواب الحصول على المعارف والمعلومات.
خامساً: مقدرة المعلم العلمية وحصيلته من المعارف والخبرات التخصصية:
لا يستطيع المعلم أن يقدر مدى أهمية قدرته العلمية وحاجته إلى التعمق في المادة التي يدرسها إلا إذا واجه تلاميذه في مواقف تدريسية في الفصل. إن التلاميذ سوف يستجيبون للمعلومات التي يقدمها لهم أثناء الدرس بأسئلة تضع ثقلاً كبيراً على قدرته العلمية، إن أسئلتهم تمتد للكشف عن أدق التفاصيل للموضوع، وسوف يثيرون مناقشة منطقية تقود إلى استنتاجات لم يتوقعها المعلم من قبل. إن تشوق التلاميذ ورغبتهم في المعرفة لن تقف عند حد الموضوعات التي يضمها المنهج بل ربما استدعى التلاميذ خبراتهم الخارجية إلى المدرسة ليطلبوا من المعلم المعونة في التعرف على بعض المواقف والأشياء. إن مواقف التدريس ومعالجة الموضوعات مع التلاميذ هي تحدٍ بالنسبة لقدرات المعلم ونموه المهني، ولذلك عليه أن يستغل هذه المواقف ليستفيد منها أكبر استفادة وألا يقتصر على ما درسه عندما كان طالبا ومن ثم عليه البحث عن مصادر يستقي منها بعض الخبرات وذلك بالبحث والإطلاع واستغلال المصادر المتاحة في البيئة .
سادساً: الخبرة العملية والتجارب العامة:
إن إعداد المعلم في أيام دراسته الجامعية ما هو إلا جزء يسير من الإعداد العريض والخلفية الزاخرة بالتجارب التي يأتي بها إلى المدرسة، فالقراءات التي قرأها والتجارب والخبرات التي مرت به تشكل القاعدة العريضة من الخبرة العملية التي يستعين بها المعلم في التدريس. فالسفر والتحدث عن عادات بعض المجتمعات يثير في التلاميذ الحيوية وعنصر التشويق إلى الدرس، كما إن المعلم ليس المصدر الوحيد للخبرة بل إن هناك من التلاميذ أنفسهم من سمحت لهم ظروفهم بالسفر، وهؤلاء ربما كانوا مصدراً ومنبعاً خصباً للمعلومات والتجارب. وحقيقة يمكن القول إن المعلم لن يستطيع أن يضيف كثيراً في مهام مهنته ما لم يضع خططاً لتوسيع مجال قراءته، فلا أقل من أن يقرأ بعض الصحف اليومية أو يطلع على كتاب صدر حديثاً في الثقافة أو التربية أو في مادة تخصصه.
سابعاً: اتجاهات المعلم نحو المهنة ودلالتها الاجتماعية:
لاشك في أن التعليم يسهم إسهاماً كبيراً في تحقيق ما يتطلع إليه المجتمع من تنشئة أفراده وفقا لغايات وأهداف معينة، والمدرسة هي المؤسسة التي أنشئت كي تلعب دوراً هاماً في تنشئة الأجيال ليكونوا أعضاء فاعلين. والمعلم عن طريق شعوره واتجاهاته نحو مهنة التعليم ومدى إيمانه بها كمهنة لها أثرها الكبير سوف يحدد دوره الذي يجب أن يقوم به ليصبح منتجاًً فعالاً. إن المدرسة بصفتها مؤسسة تربوية هي قلعة من قلاع التهيئة ولذا فهي قريبة من الناس كما أنها موضع أحاديثهم واهتماماتهم، الأمر الذي يتطلب من المعلم أن يقف دائماً على كل ما يكتب أو ينشر أو يقال عن المدارس والتعليم فيها، وأن يتعرف على رأي الناس خارج المدرسة. ولا شك أن هذه المعلومات سوف تعينه على تبني اتجاهات معينة نحو مهنة التدريس .
مميزات النظام التعليمي الجديد
في ظل التطورات السريعة الحاصلة في المجتمع المعاصر والذي أصبحت العولمة من أهم مظاهره، تواجه المدرسة تحديات كبيرة تلزم مراجعة الأنظمة التربوية القائمة، وفي استراتيجية المقاربة بالكفاءات مخرجًا للمدارس ومن خلاله يتحقق التعليم الذاتي والمستمر ويعتبر أهم ما يميز النظام التعليمي الجديد، والتعليم التعاوني، والتعليم عن طريق الممارسة والتي تؤدي إلى اكتساب القدرة على البحث والانفتاح على العالم مما يعود بالفائدة على المجتمع والأفراد.
إن تطبيق استراتيجية المقاربة بالكفاءات يلزم التخلي عن مفهوم البرنامج وتبني مفهوم المنهاج لما له تداعيات على الطالب والمعلم.
أدوار المعلم بين الواقع وأفاق التطوير
إن تكنولوجيا المعلومات لا تقلل من أهمية ودور المعلم بل تقلده دورًا مختلفا، وهذا الدور الذي تغير نتيجة تغير وظيفة التربية والتعليم من تحصيل المعرفة إلى تنمية المهارات الأساسية واكتساب الكفاءات التي تمكنه من مواجهة عصر التغيرات العلمية، حيث انتقل دور المعلم من المعلم المدرس إلى المعلم الميسر لعملية التعليم.
رؤية جديدة لأدوار المعلم في ظل الإصلاحات التربوية
في ضوء أهداف النظام التعليمي الذي جاءت به إصلاحات المنظومة التربوية في بعض الدول العربية، كان لا بد لأدوار المعلم أن تتغير، فهو لم يعد المالك الوحيد للمعرفة ، كما أن التلميذ نفسه لم يعد ذلك الطفل السلبي الذي يكتفي بقبول الأوامر والنواهي، وعليه فقد أصبح المعلم مسهلا وموجها ومقيما لعملية التعليم وعليه يتوجب اكتساب الكفاءات والمهارات الأساسية للمعلم العصري وبالذات الكفاءات المهنية.
استراتيجية مقترحة لإعداد معلم المنظومة التربوية الجديدة
لكي يستطيع النظام التربوي توفير معلمين يمتلكون الكفاءات اللازمة والتي تمكنهم من أداء أدوارهم على أكمل وجه لا بد من أن يعمل على التكفل بإعدادهم الإعداد الجيد وذلك من خلال إقرار معايير وإجراءات محددة ودقيقة تنظم عملية القبول في مؤسسات إعداد المعلمين، وبحيث تكون عملية انتقائية تنافسية. وقد صنفت معايير القبول تحت الفئات الرئيسة التي تخص: شهادة البكالوريا، السمات الشخصية والنفسية والاختبارات التحصيلية. كما ويقترح: تبني إجراءات تسمح بالقبول المشروط والمؤقت والنهائي، وتوفير تخصصات بديلة للذين لم يحصلوا على القبول النهائي.