على خلاف التصنيف الشائع الذي يقسم البشر إلى أناس أذكياء وأناس أقل ذكاء، جاءت نظرية الذكاءات المتعددة لتقدم مقاربة مختلفة لمسألة الذكاء تقوم على أساس أن معظم البشر هم أذكياء بشكل ما، هذا ببساطة لأن الذكاء ليس شيئًا واحدًا وإنما هو مركب من ذكاءات متعددة (7-8- 9 ذكاءات) تتواجد عند كل فرد بنسب مختلفة بعضها مرتفع وبعضها منخفض، ووفقًا لنوع – ربما أكثر من نوع- الذكاء الغالب على كل فرد تتحدد الطريقة التي يمكن من خلالها أن يرتفع تحصيله العلمي كما تتحدد الأنشطة والمهام –وربما الوظائف-التي يكون أكثر براعة في أدائها.

لا تعد نظرية الذكاءات المتعددة طرحًا جديدًا فالبدايات الأولى للنظرية تعود إلى منتصف الثمانينات أما دخول النظرية إلى حيز التطبيقات العملية فيعود ربما إلى بداية الألفية، تقوم النظرية على عدة فرضيات تتناقض مع النظرة العامة والتقليدية لمفهوم الذكاء أو المعامل “G” الذي يتم قياسه باختبارات الذكاء المختلفة .

تقوم النظرية التي طورها هوارد جاردنر أستاذ العلوم العصبية في هارفارد على مجموعة من الفرضيات أهمها :

الذكاء غير مفرد لكنه عبارة عن ذكاءات متنوعة ومتعددة لها بوادر فطرية لكنها قابلة للنمو بل والتغيير أيضًا “الإصدار الأول للنظرية كان العدد 7 ذكاءات أساسية”.

كل شخص يمتلك خليطًا متنوعًا من هذه الذكاءات بنسب مختلفة ومتفاوتة، بعضها مرتفع وبعضها منخفض، ويتحدد نوع ذكاء الفرد حسب النوع المهيمن من هذه الذكاءات بالنسبة له.

كل ذكاء له مجموعة من المهارات والقدرات والخاصة التي يمكن اختباره وتنميته من خلالها.

كل ذكاء من هذه الذكاءات يرتبط بمنطقة معينة في مخ الإنسان.

كل نوع من الذكاء يرتبط بنمط من أنماط التعلم “أسلوب خاص يجعل تلقي الإنسان للمعلومات أكثر كفاءة”، كما يرتبط بمجموعة من المهارات والوظائف التي يصير الإنسان أكثر قدرة على أدائها.

بداية، وقبل أن نلج إلى توضيح مبسط حول الذكاءات السبعة الأساسية –وأنماط التعلم المشتقة منها- يجدر بنا أولاً أن نحيلك على اختبار مبدئي مبني على أساسيات نظرية الذكاءات المتعددة، الاختبار عبارة عن عدة جمل، في كل جملة عليك إعطاء درجة من “0-1-2” بحسب انطباق هذه الجملة على شخصيتك “0- أي لا تنطيق أبدًا”، “1- أي تنطبق إلى حد ما”، “2- أي تنطبق تمامًا” سوف تقوم نتيجة الاختبار بتقييمك وفقًا للذكاءات السبعة الأساسية، يمكنك إجراء الاختبار من هنا.

أنواع الذكاءات أو أنماط التعلم وفقًا لـ«جاردنر»:

1- الذكاء اللغوي

أصحاب هذا النوع من الذكاء يتعلمون بشكل أفضل من خلال أنشطة كالقراءة والكتابة والاستماع والتحدث، بشكل عام، فإن أصحاب الذكاء اللفظي يجيدون التعلم عبر أي نشاط مرتبط بالكلمات سواء كانت مكتوبة أو منطوقة.

يمتلك أصحاب هذا النوع من الذكاء قدرات في التعبير عن أنفسهم سواء بالتحدث أو بالكتابة، كما يمتلكون قدرات لغوية جيدة ومهارة في استخدام الكلمات والتشبيهات، كما يُظهر أصحاب الذكاء اللغوي براعة في مواد اللغات والأدب.

لتعزيز هذا النمط من الذكاء يمكن أن يطلب من الطالب تسجيل النصوص بصوته وإعادة الاستماع إليها من حين لآخر، القراءة بصوت مسموع ومميز بدلاً من القراءة بالعين أو بصوت رتيب، تستخدم تدريبات المحادثة أيضًامن أجل تعزيز هذا النوع من الذكاء، كأن يطلب من التلميذ/الطالب الحديث أمام زملائه حول قضية ما أو أي مادة علمية أو ربما تعريف نفسه وعائلته، الحلقات النقاشية والمسابقات الجماعية والمناظرات كلها أنشطة تعليمية قد تستخدم في تعزيز الذكاء اللفظي.

2- الذكاء المنطقي/الحسابي

أصحاب هذا الذكاء يجيدون التعلم بشكل أكبر من خلال أنشطة التصنيف وتقسيم المعلومات إلى مجموعات وفصائل إضافة إلى العلاقة الرياضية والمعادلات والأنشطة المتعلقة بالأرقام.

حل المشاكل بطريقة منهجية، وضع الأهداف والخطط، تنظيم الميزانيات وجداول الأعمال وخطوط السير، أصحاب هذا الذكاء يظهرون تفوقًا في فهم مواد العلوم والرياضيات.

يمكن تنمية هذا النوع من الذكاء بتدريب الطلاب على استخراج النقاط وتمييز الأسباب والنتائج والعلاقات بينها وأسئلة التعليل، إضافة إلى التعامل مع القوانين وحل المعادلات الرياضية.

3- الذكاء البصري

يجيد أصحاب هذا الذكاء التعلم من خلال رسم الأشياء أو الصور أو حتى التخيل، جميع الوسائل البصرية كالرسوم البيانية والعروض التقديمية وجميع تقنيات الصورة قد تكون فعالة معهم بشكل كبير .

يتم تعزيز هذا النمط من الذكاء عبر التدريب على استخدام الألوان والرسوم التوضيحية واستخدام الخرائط الذهنية، وربط الكلمات بالصور وتظليل الكلمات المقروءة من خلال استخدام بعض الأقلام الملونة.

4- الذكاء السمعي

أصحاب هذا الذكاء يجيدون التعلم من خلال الإيقاعات والألحان والأناشيد والأغاني والكلمات الموزونة والمسجوعة، والمواد التي تعتمد بشكل كبير على الأصوات، البيئة بالنسبة لأصحاب هذا النمط من الذكاء تتشكل عبر الأصوات، يمكنك ببساطة أن تنقل أحدهم إلى شاطئ البحر فقط إذا منحته تسجيلاً جيدًا لتلاطم الأمواج وحركة الرياح.

يمكن تنمية هذا الذكاء عبر تدريب الطلاب على تدريبات السماع وتمييز الأصوات واستحضار المعلومات من المواد المسموعة، غالبًا ما يربط أصحاب هذا الذكاء المعلومات الهامة بمقاطع موسيقية أو نغمات مفضلة بحيث يمكنهم استدعاء الكلمات والمفاهيم بسهولة مع سماع النغمات والمقطوعات أو العكس.

5- الذكاء الحركي

أصحاب هذا الذكاء يميلون لاستخدام أجسامهم للتعرف إلى العالم والأشياء من حولهم. غالبًا ما تعمل حاسة اللمس بكفاءة أكبر لدى أصحاب هذا النوع من الذكاء، يميل أصحاب الذكاء الحركي إلى ممارسة الأنشطة البدنية كالرياضة والحرف والأعمال اليدوية، وغالبًا ما يؤكد هؤلاء أن قدرتهم على التفكير ومعالجة القضايا تزداد بشكل ملحوظ أثناء ممارستهم لأنشطة حركية.

قد لا يميل أصحاب الذكاء الحركي للقبول بجلسة الفصل التقليدية أثناء التعلم، قد يفضلون أكثر الوقوف أو الحركة، كما تزيد قدراتهم الاستيعابية إذا تم إدماج النماذج والمجسمات والتجارب العملية ضمن عملية التعليم، تقنيات تقمص الأدوار  سواء بشكل فردي أو جماعي قد تكون تقنية متميزة في هذه الحالات.

6- الذكاء الاجتماعي

يبدي أصحاب هذا النوع من الذكاء قدرة أكبر على التعلم من خلال التواصل مع الآخرين، عقد المقارنات والتعاون، أصحاب هذا النوع من الذكاء يتمتعون بقدرات قيادية مرتفعة وقدرة أكبر على الإنتاج ضمن مجموعات وفرق العمل.

يُنمى هذا النوع من الذكاء من خلال انخراط الطالب في الأنشطة الاجتماعية، أصحاب الذكاء الاجتماعي يحصلون بشكل أفضل عند الدراسة أو المذاكرة بصحبة الأصدقاء، الانخراط في الرياضات أو حتى الألعاب الترفيهية الجماعية، الرحلات والأعمال الاجتماعية قد تكون مفيدة أيضًا.

7- الذكاء الفردي

يأتي على النقيض من هؤلاء أصحاب الذكاء الفردي، يتمتع هؤلاء بقدرات أكبر على الاستيعاب والإنجاز عندما يكونون بمفردهم، ليس بالضرورة أن يكونوا خجولين أو انطوائيين، ولكن أصحاب هذا الذكاء هم شخصيات مستقلة نوعًا ما.

يقضي هؤلاء أوقاتًا طويلة نوعًا ما في التحليل والتقويم الذاتي، وتسجيل الملاحظات الشخصية، ومراجعة الأحداث السابقة وتقييم إنجازاتهم . هواياتهم غالبًا فردية حتى في السفر فإنهم يميلون إلى المناطق الهادئة وغير الصاخبة، وغالبًا ما يفضلون قضاء العطلات بمفردهم.

يفضل هؤلاء الدراسة الشخصية كما يبدو، وهم بارعون في وضع الخطط والأهداف، وغالبًا ما تكون محفزاتهم داخلية، وتنبع من الرضا الذاتي عن النفس والإحساس المستمر بالإنجاز.

يبقى التأكيد أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك نمط واحد أكثر بروزًا بشكل واضح عند الجميع، قد يكون النمط التعليمي خليطًا من نمطين وربما ثلاثة، بالتالي تحتاج الوسائل والأنشطة التعليمية أن تكون أكثر تنوعًا بحيث تغطي مداخل التعلم للأنماط الأكثر تأثيرًا وهيمنة.

ومن المهم الإشارة إلى قضايا مهمة عند تعليم وتعلم الرياضيات باستعمال نظرية الذكاءات المتعددة :

1- توفير المزيد من الأسئلة للطلاب باستمرار للكشف عما تطور لديهم ومن ذكاءات وأنواعها المختلفة.

2- توفير أنشطة تناسب كل نوع من أنواع الذكاء في الصف أو ذلك النوع الذي يمتلكه الأغلبية كالأنشطة الحركية للأذكياء حركياً، ترانيم وأناشيد للأذكياء موسيقياً وهكذا..

3- لا يؤثر توجه التدريس باستعمال نظرية الذكاءات المتعددة على طريقة صياغة الأهداف التدريسية أو المعايير، بل على العكس هي داعم ومحقق لها.

4- يتميز هذا التوجه بكثرة الأنشطة وتنوع الممارسات، والتحفيز المستمر على الجديد والتنوع.

5- يحتاج لتخطيط تدريسي مسبق لتحديد نوع الأنشطة والتقنيات التعليمية اللازم توفرها.

6-  يحتاج لتدريب المعلمين على العمل وفق هذا التوجه.

7- الغريب أن التدريس وفق نظرية الذكاءات المتعددة ينعكس بصورة ايجابية حتى على المعلم الذي يجد نفسه يتوسع فكرياً وتربوياً، بل ويعمل على تنمية أنواع من الذكاءات لديه ليتماهى مع طلابه ويحقق الأهداف المطلوبة.

8- كل نوع ذكاء يحتاج لأنشطة خاصة ومصادر تعلم وتقنيات ووسائل تعليمية ملائمة، فالنوادي الرياضية لذوي الذكاء الحركي مصدر ممتاز، وفي المقابل فإن دور التحفيظ تمثل مصدر تعلم ممتاز لذوي الذكاء الوجودي.

9- يمكن مزج العديد من الاستراتيجيات التدريسية مع التدريس باستعمال نظرية الذكاءات المتعددة لتحفيزها وتنميتها، مثل استراتيجية العصف الذهني، استراتيجيات حل المشكلات، وأنماط التعلم.. الخ.

10- كثيرا ما يجد المعلمون المتميزون أدائياً أنهم يدعمون عمل هذه النظرية حتى وإن لم ينتبهوا لذلك، فالمعلم النشيط ذو الممارسات التعليمية المتنوعة والأنشطة المتعددة يُعد دعامة قوية لتأثير هذه النظرية.

11- يقع على عاتق معلم الرياضيات تنمية الذكاء الرياضي المنطقي لطلابه بطرق مباشرة أو غير مباشرة. فتدريس حل المشكلات عن طريق تمثيلها حركياً أو رسم المسألة أو نمذجتها يُعد تنمية للذكاء الرياضي المنطقي من خلال ذكاءات أخرى.

أنماط التعلم

يرى العديد من التربويون أن التدريس باستعمال أنماط التعلم يعد امتداداً للتدريس باستعمال نظرية الذكاءات المتعددة، ومنهم من يرى أنها انعكاس للنظرية، فأنت ستستعمل نمط التعلم المرتبط بالذكاء المناسب له .

وتقوم فكرة أنماط التعلم على أن لكل متعلم نمط التعلم الخاص به!! حيث نجد أن ذلك المتعلم يميل لوسائط حسية إدراكية لاستقبال المعلومات دون غيرها. وتكمن أهمية هذا الأمر في أن التدريس باستعمال أنماط التعلم يساعد المتعلم على تحسين تعلمه، وتحقيق أداء تحصيلي أفضل، كما يوفر الفرصة لتحقيق توجه مهني ملائم للمتعلم مستقبلاً. وكما هو الحال مع نظرية الذكاءات المتعددة فإن هناك أنماط للتعلم غالبة وأخرى ثانوية، ويمكن تنميتها أو تعطيلها.

وقد حظيت أبحاث أنماط التعلم بالكثير من الاهتمام وخضعت للعديد من التصنيفات، فمن أشهرها نموذج كولب لأنماط التعلم :

والتي تمثل أربعة أنماط أساسية للتعلم وتتمثل في :

  1. لحسي التأملي سؤاله المفضل لماذا؟ وهو يميل لربط تعلمه ومحتوى المقرر بخبراته الشخصية وميوله ومستقبله المهني.

2- التجريدي التأملي سؤاله المفضل هو ماذا؟ وهو يميل لربط تعلمه ومحتوى المقرر بطريقة منظمة ومخططة.

3- التجريدي النشط صاحب سؤال كيف؟ يميل للعمل النشط وفق مهام محددة ويتعلم بالمحاولة والخطأ. وهنا يكون دور المعلم مشرف وموجه فقط.

4- المتعلم الحسي النشط يفضل تطبيق المحتوى في مواقف جديدة ومشكلات واقعية. وهو ما يستلزم توفر أنشطة متنوعة وجانب من المسائل الغامضة والنهايات المفتوحة.

في حين يُصنف فيلدر – سيلفرمان أنماط التعلم إلى : متعلم حسي – بصري – استقرائي – تتابعي

حيث يميل الحسيون للأنشطة الحركية، فيما يميل البصريون للمشاهدة للصور والنماذج وعروض الأفلام

والاستقرائيون يحبون الانطلاق من الصغائر ودقائق المعلومات للوصول للصورة الكلية والمعرفة العامة، أما التتابعيون فيميلون للانتقال بتتابع منظم للمعرفة سواء من الخاص للعام أو من العام للخاص.

والحق أن هناك العديد من النماذج لأنماط التعلم إلا أنها تشترك مع الذكاءات المتعددة في أنها تحتاج للتنوع في الأنشطة ومصادر التعلم، وتُركز على جانب تعيين الأنماط والذكاءات والعمل على متابعتها والتخطيط للتدريس بصورة مسبقة ومنظمة.

ونتيجة للارتباط الشديد بين أنماط التعلم ونظرية الذكاءات فقد ظهرت العديد من الدراسات التي تربط بينهما، وتشجع على خلق استراتيجيات وأساليب تدريسية تنتهج ربطهما معا من نواحٍ عدة

error

يمكنك متابعتنا ووضع لايك .. ليصلك كل جديد