تعريف المناهج الدراسية
جاء في تعريف المنهج الدراسي بأنه: “مجموع الخبرات والأنشطة التي تقدمها المدرسة تحت إشرافها للتلاميذ بقصد احتكاكهم بها وتفاعلهم معها. ومن نتائج هذا الاحتكاك والتفاعل يحدث تعلم أو تعديل في سلوكهم، ويؤدي هذا إلى تحقيق النمو الشامل المتكامل الذي هو الهدف الأسمى للتربية”. وقد علق الأستاذ أحمد مدكور على هذا التعريف بأنه “يصلح لكل المجتمعات وكل الثقافات”، ومن هنا فإنه يرى بضرورة تقديم تعريف خاص بالمجتمعات الإسلامية ليستجيب لمميزاتها الحضارية. وقد عرف المنهج التربوي أو الدراسي وفق هذه المميزات كما يلي:
“هو نظام من الحقائق والمعايير الإلهية الثابتة، والمعارف والخبرات والمهارات الإنسانية المتغيرة، ينبع من التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة، ويهدف إلى تربية الإنسان، وإيصاله إلى درجة كماله، التي تمكنه من القيام بواجبات الخلافة في الأرض، عن طريق إعمارها، وترقية الحياة على ظهرها وفق منهج االله” وهذا يعني أن كل منهاج دراسي في مجتمع معين يجب أن يعكس الخصائص الحضارية والتاريخية لذلك المجتمع، حتى تؤدي الخبرات التي يتلقاها التلاميذ من خلال المناهج الدراسية إلى تخريجهم بصفات تدل على انتمائهم الحضاري
ومن التعاريف الإجرائية الجيدة للمناهج الدراسية نجد تعريف فوركين، الذي عرفه بقوله: “هو مسيرة تربوية، ومجموعة متتالية من تجارب تعلمية يقوم بها شخص ما تحت مراقبة مؤسسة تكوينية، وخلال فترة زمنية معينة، مسيرة تفرضها مؤسسة تعليمية” وهذا التعريف تناول كل المسائل الإجرائية المتعلقة بالمناهج الدراسية، سواء في المسار التعليمي أو المؤسسة التكوينية أو المدة الزمنية أو إلزام المتعلم بمحتويات المنهاج .
ماهية تخطيط المناهج الدراسية
تخطيط المناهج الدراسية هو تلك: “العملية التي يتم من خلالها جمع المعلومات ذات العلاقة من مصادر مختلفة وتصنيفها وتنظيمها، من أجل اقتراح الخبرات أو الأنشطة التعلمية التي سوف تساعد المتعلمين على تحقيق أهداف المنهج. وتأخذ هذه العملية بالحسبان، الأهداف العامة والأهداف التدريسية المطلوبة، والأسس الاجتماعية والنفسية والفلسفية والمعرفية للمنهج، وغيرها من المعايير المهمة في تخطيط المنهج الدراسي نفسه” ومن هنا فإن تخطيط المناهج الدراسية يتطلب القيام بعمليات ذات طابع إجرائي بالدرجة الأولى، وتتمثل هذه العمليات بصفة رئيسية في العناصر التالية :
• تحديد الأهداف .
• اختيار المحتوى .
• تنظيم المحتوى .
• تحديد الأنشطة التعلمية .
• تحديد الوسائل التعليمية .
• تحديد أساليب التقويم التي تبين المردود التعليمي لدى التلاميذ
وسنعود لبعض العناصر الرئيسية بتفصيل أكبر لما نتعرض لمكونات المناهج الدراسية .
مقاربات تصميم المناهج الدراسية
لقد تطورت مقاربات تصميم المناهج الدراسية، فانتقلت من المقاربة بالمحتوى إلى المقاربة بالأهداف وأخيرا المقاربة بالكفاءات. وتعرف المقاربة في تصميم المناهج الدراسية بأنها: “مجموع التصورات والمبادئ والاستراتيجيات التي يتم من خلالها تصور وتخطيط منهاج دراسي أو تطويره أو تقويمه.. والتي تكون أساس ومنطلق وضع أهداف المنهاج ومضامينه ووسائل تنفيذه وتقويمه” . ويمكننا تناول هذه المقاربات حسب التفصيل الذي تستدعيه كل واحدة منها على النحو التالي :
- المقاربة بالمحتوى وتعبر هذه المقاربة على الاتجاه التقليدي في التربية القائم على السلطة والمعرفة، أو بعبارة أخرى هو اتجاه قائم على المدرس والمحتوى الدراسي. أي أن المدرس وما يمارسه من سلطة على التلميذ، والمحتوى الدراسي وما يحتويه من معارف يجب تبليغها إلى التلميذ هما المتحكمان الأساسيان في العملية التعلمية التعليمية. إن البرامج الدراسية في هذه المقاربة دف أساسا إلى شحن أذهان التلاميذ بمعارف جاهزة، ودليلها في ذلك كما يقول الأستاذ عبد الكريم غريب: “أن الإنسان ذو طبيعة ثابتة؛ فليست هناك اختلافات وفروق بين الأفراد. ولذا، فإن للتربية بدورها خاصيات ثابتة، إنها تنظر إلى الإنسان من حيث هو كائن مجرد، ولا تعير اهتماما لحوافزه الداخلية واستعداداته الذاتية” ويترتب على ذلك أن ما يتعلمه التلميذ لا يخضع لمعطيات نفسية داخلية، بل يخضع لما يراه الكبار مناسبا للأطفال، ولهذا نجد أن المحتويات الدراسية هي مفروضة على التلاميذ ولا مجال لهم لمناقشة مدى صلاحيتها لهم أو رغبتهم في تعلمها. فالتعليم بهذا المعنى يفرض على المتعلم جملة من المعارف والقيم والسلوك .
- المقاربة بالأهداف يتمثل الهدف الرئيسي لهذه المقاربة في إحداث تغييرات وتعديلات في سلوك التلاميذ، ويكون الحكم على حصول هذه التغييرات أو التعديلات من خلال المقارنة بين الأهداف المحددة سلفا، وبين ما تمكن التلميذ فعلا من تحقيقه من تغييرات في سلوكه. ومن هنا يمكننا استنتاج الطابع البيداغوجي لهذه المقاربة الذي يقوم في جوهره على ملاحظة وقياس مدى تحقق الأهداف وذلك من خلال أجرأتها، أي جعلها قابلة للملاحظة والقياس، وهكذا نلاحظ الطابع النفعي والتقويمي لهذه المقاربة . وتعود هذه المقاربة في جذورها كما يجمع على ذلك المختصون التربويون إلى جهود رالف تيلر Tyler. R الذي كان يبحث عن قطيعة مع المقاربة القائمة على المحتويات، التي كانت محل انتقادات كبيرة من طرف المربين الأمريكيين وبصفة خاصة جون ديوي. ويمكن تعريف بيداغوجيا الأهداف عند تيلر بأنها: “تلك البيداغوجيا التي تحدد الهدف بألفاظ توضح نوع السلوك الذي يريد المدرس تنميته عند الطالب” . وهكذا نلاحظ أن تيلر يعتبر أول من عبر صراحة على ضرورة إيجاد حل لمشكلة التقويم من خلال تحديد الهدف، الذي يعتبر المؤشر الحقيقي للتغيرات المنتظرة في السلوك . إلا أن بيداغوجيا الأهداف عرفت أوضح تحديد لها في أعمال المربي الأمريكي الكبير بنجامين بلوم Bloom. B ،الذي أكد على ضرورة التحكم في الأهداف البيداغوجية، وذلك من خلال خطوات تطبيقية، تتمثل فيما يلي:
- التحديد الدقيق للأهداف التي ينبغي بلوغها، مع اقتراح معايير لتقويم مدى بلوغ تلك الأهداف.
- التعرف بدقة جيدة على المكتسبات القبلية .
- التقويم الدقيق للمستوى الذي ينطلق منه التلاميذ قبل بداية الدرس.
- وضع جميع التلاميذ في مستوى واحد من المعرفة. أي تمكينهم من المعلومات الضرورية للدرس الجديد قبل بدايته، ويتم هذا التحكم بشكل فردي .
- تقديم الدرس الجديد.
- فحص المكتسبات الفعلية للتلاميذ حسب الأهداف المنشودة في نهاية الدرس.
- التعرف على التلاميذ الذين لم يبلغوا مستوى التحكم المتوقع.
- علاج التأخر مباشرة بواسطة دروس خاصة تسمى العلاج أو الاستدراك.
- المقاربة بالكفاءات جاءت هذه المقاربة لتفادي سلبيات المقاربة السابقة وللتكيف مع المستجدات الحاصلة على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي. بحيث نجد الانفجار المعرفي وحاجات الاقتصاد الجديدة أصبحت تتطلب مخرجات أكثر قدرة على التكيف مع المواقف الجديدة، فلم يعد المهم حشو ذهن التلميذ بالمعارف بقدر ما يهم تزويده على قواعد الحصول على المعارف وتوظيفها إيجابيا في المواقف التي تستدعي توظيفها. وما يمكن التأكيد عليه في هذه المقاربة أنها جلبت الكثير من الإضافات التي لم تكن موجودة في المقاربة السابقة، من ذلك نجد تأكيدها على الإدماج والإنجاز والتوظيف والممارسة الناجعة ومواجهة الوضعيات من خلال إدراكها وفهمها… الخ. ونلاحظ على مختلف التعاريف المقدمة للكفاءة أنها ذات طابع معرفي سلوكي ، أي أنها لا تخرج عن مجال توظيف المعارف وتجنيدها من أجل مواجهة وضعيات مختلفة بحيث لا تكون هذه الوضعيات ذات طابع نمطي، بل هي مستجدة، ودور المدرسة هو تزويد التلميذ بأدوات مواجهة هذه الوضعيات مهما كان نوعها ودرجتها والمكان الذي يواجهها فيه. وقد عبر الأستاذ محمد فاتحي عن هذا المعنى المعرفي السلوكي للكفاءة حينما حدد مقاربتين لفهمها؛ أولاهما المقاربة الذهنية، التي تعتبر الكفاءة فيها كتلة من المعارف مرتبطة فيما بينها، وثانيتهما المقاربة التصرفيه السلوكية، ترتبط الكفاءة فيها بالقدرة على الإنجاز.
خطوات تخطيط المناهج الدراسية
تنطلق أي عملية لتخطيط المناهج الدراسية من الوقوف على ما تم تحقيقه في المناهج السابقة، حتى تكون المناهج الجديدة مكملة لها ومثرية إياها ومتفادية نقائصها ومستجيبة للمتطلبات الجديدة التي تفرضها التغيرات الداخلية والخارجية، إن على مستوى التطور التكنولوجي أو على مستوى الحاجات الاجتماعية الجديدة ودور النظام التربوي في تحقيق هذه الحاجات، وتبقى المناهج رغم هذه الاستجابة مراعية لخصائص ومميزات المجتمع. وبعد هذه الخطوة التشخيصية تأتي المراحل الأخرى التي تتميز في عمومها بالطابع الإجرائي والعملي، ويمكننا تقديم هذه الخطوات حسب الترتيب التالي :
1-توضيح التبرير المنطقي لعملية التخطيط :
- ويتمثل هذا التبرير في تقديم الأسباب الداعية لتخطيط منهج مدرسي جديد. وكلما كانت هذه المبررات قائمة على أسس بيداغوجية ومنطقية سليما كلما أدى ذلك إلى تقبل المنهج الجديد من الأطراف الرئيسية التي تتعامل بشكل مباشر أو غير مباشر مع هذا المنهج. وفي مقدمة هؤلاء نجد المعلمين والمشرفين التربويين والتلاميذ وأوليائهم وكل القائمين على التربية والتعليم. وتأتي هذه الخطوة قبل الشروع في تخطيط المناهج الجديدة، وينبغي تقديمها بشكل مقنع ومدروس ويتم في ذلك تجنب التبليغ المفاجئ والشروع المتسرع في عملية التخطيط دون الوقوف على رأي الأطراف المعنية، لأن ذلك قد يسبب معارضة شديدة ورفضا من طرفهم خاصة المعلمين، ولا يمكننا تحقيق النجاح المأمول إذا كان المعلمون وغيرهم من الأطراف المعنية بالمناهج الجديدة غير متفاعلين معها ولا متقبلين لها. وكمثال لهذه التبريرات نذكر ما جاء في المناهج الجزائرية الجديدة من مبررات للانتقال إلى المقاربة الجديدة القائمة على الكفاءات كبديل للمقاربة السابقة القائمة على الأهداف: البرامج القديمة المطبقة في مؤسساتنا يعود تصميم أهدافها وتحديد محتوياتها إلى عقود خلت، وهي بذلك لا تواكب التقدم العلمي والمعرفي الذي أحدثته التقنيات الحديثة في الإعلام والاتصال.
– المجتمع كمثال الجزائري عرف تغيرات سياسية واجتماعية وثقافية عميقة غيرت فلسفته الاجتماعية وفتحت أمامه طموحات مشروعة للتقدم والرقي في ظل العدالة الاجتماعية والمواطنة المسؤولة، تكون فيها روح المبادرة والبحث الدائم عن النجاعة المحرك الأساسي للتغير الاجتماعي “. وقد حدد السيد فريد عادل بصفته مدير التعليم الأساسي بوزارة التربية الوطنية، مبررات الإصلاح التربوي الجديد، خاصة ما تعلق منه بالمناهج الدراسية في العناصر التالية:
انتقال البلاد من نظام سياسي أحادي إلى التعددية الحزبية وإلى نظام ديمقراطي
” – انتقال البلاد من نظام اقتصادي ممركز إلى نظام الاقتصاد الحر .
– التطور المذهل للعلوم والتكنولوجيا بما في ذلك علوم التربية .
– التدهور المستمر لمستوى التلاميذ ونتائجهم .
– التحديات الجديدة التي من المنتظر أن تواجهها المدرسة .
2- تحديد مجال المنهج الدراسي :
بعد أن ينجح المخططون في إقناع الأطراف المعنية بعملية تجديد المناهج الدراسية بجدوى تخطيط المناهج الجديدة، فإنهم يجدون أنفسهم أمام مهمة جديدة تتمثل في تحديد مجال المنهاج، ويكون ذلك قبل الشروع في دراسة باقي مكونات المنهاج. ويقصد بالمجال هنا المسار الذي يتم تحديده للمنهاج الجديد والعناصر التي ينبغي التركيز عليها في هذا المنهاج. فقد يكون التركيز موجها نحو التلاميذ وهو ما يتطلب التقليل من حجم المادة الدراسة والإكثار من الأنشطة والخبرات التعليمية التي يطلب من التلاميذ أدائها داخل أو خارج المؤسسة التعليمية. وقد يكون هذا التركيز موجها نحو المجتمع وحاجاته، فينبغي على المخططين الإكثار من طرح المشكلات الموجودة في المجتمع في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والصحية. كما أن التركيز قد يكون منصبا نحو المادة الدراسية، وهنا يطلب من المخططين تناول التفصيلات الدقيقة للمواضيع الدراسية والتقليل من أنشطة التلاميذ. كما أن المخططين قد يتفقون على ضرورة التركيز على كل ما سبق ذكره أي التلميذ والمجتمع والمادة الدراسية في نفس الوقت. كما يتأثر تحديد مجال المنهج الدراسي بدرجة كبيرة بالمقاربة التي يتم تبنيها، فإذا كانت المقاربة المعتمدة تركز على المحتوى، فإن الدور الرئيسي يسند للمعلم بينما يكون التلميذ في وضع المتلقي للمعرفة ولا يهم مدى تفاعله معها. وإذا تم تبني المقاربة بالأهداف، فإن التركيز يكون موجها نحو العناصر التقويمية والمجالات المتعلقة بها دون مراعاة الربط بين الأهداف والتكوين الكلي لشخصية التلميذ. وإذا كانت المقاربة المقررة مبنية على الكفاءات، فإن ما يهم هو مدى قدرة التلميذ على دمج المعرفة وتجنيدها في وضعية مشكلة معينة . وعلى العموم فإن هذه الخطوة تعتبر هامة وضرورية وذلك قبل البدء في الخطوات الأخرى التي تعتبر خطوات عملية وإجرائية تدخل في صميم تخطيط المناهج الدراسية وتصميمها .
3-اختيار الأهداف :
وتعتبر هذه الخطوة أكثر خطوات إعداد المناهج الدراسية أهمية، وذلك نظرا لما تمثله من حسن تقييم للمرحلة السابقة وتوجيه تام لكل الخطوات اللاحقة. ويمثل الجدول التالي العلاقة الوثيقة بين اختيار الأهداف وصياغتها وبقية الخطوات :
اختبار المحتوى وتنظيمه – اختيار الخبرات وتنظيمها – اختيار طرائق التدريس – اجراء التقويم .
- اختيار المحتوى وتنظيمه : بعد الانتهاء من خطوة صياغة الأهداف، يجد المخططون للمناهج أنفسهم أمام خطوة أخرى تعتبر الأداة الرئيسية لتحقيق أهداف المناهج الدراسية. وتتمثل هذه الخطوة في اختيار محتويات المناهج وتنظيمها، وهنا تطرح مشكلة اختيار المحتوى من الكم الهائل من المعارف المتوفرة في كل المواد، فيكون المخططون أمام حيرة من أمرهم، ماذا يتركون وماذا يأخذون. ولتجاوز هذه الحيرة لابد من الاعتماد على جملة من المعايير نذكر منها ما يلي :
- الصدق: يعتبر المحتوى صادقا كلما كان وثيق الصلة بالأهداف المسطرة، وكذلك كلما كان متماشيا مع الأفكار الحديثة التي ثبتت صحتها .
- – الأهمية: ويتطلب هذا المعيار عدم الاكتفاء بالحقائق فقط، بل لابد أن تكون المحتويات المختارة ذات أهمية للجميع، وهذا حتى يتسنى تحقيق الأهداف والحرص على تطبيق هذه المحتويات على أحسن وجه ممكن. كما ينبغي في هذا المجال التركيز على المفاهيم والتعميمات والمبادئ أو النظريات، وذلك نظرا لما لها من تأثير كبير في إثارة تفكير التلاميذ
- اهتمامات التلاميذ: ينبغي أن يكون المحتوى المختار ذا أهمية خاصة بالنسبة للتلاميذ، وينبغي أن يعطيهم الفرصة للتعامل مع المشكلات والمواقف التي تهمهم. وحتى إذا تطلب الأمر إدراج بعض المحتويات التي تكون بعيدة نوعا ما عن اهتمامات التلاميذ، فإنه لابد من التفكير في كيفية تنمية هذا الاهتمام عندهم في وقت مبكر، فالتلميذ لا يركز إلا فيما يراه هاما بالنسبة إليه، وإلا فإنه يبقى في شعور بأن ما يقدم له لا يعنيه، وهو ما يجعل مستوى التحصيل عنده ضعيفا.
- قابلية المحتوى للتعلم: يشترط في المنهاج أن يكون مناسبا لقدرات التلاميذ ومستوى نضجهم وخبراتهم السابقة، ومراعيا للفروق الفردية بينهم، حتى يتفاعل معه التلاميذ ولا يشعرون بالملل في تحصيل محتوياته
- – الفائدة والمنفعة: فالمحتوى ينبغي أن يكون مفيدا ونافعا للجميع، للتلاميذ وأوليائهم وللمجتمع بكل مكوناته، وحتى يتحقق هذا المعيار لابد من الصرامة في اختيار المحتويات، حتى نتجنب الكثير من المواضيع التي لا تخدم المجتمع والتلاميذ. ومن أمثلة ذلك المواضيع التي تجاوزها الزمن ولم يعد معترفا بقيمتها العلمية، والمواضيع التي تتعارض مع المكونات الحضارية والمبادئ والقيم السائدة في المجتمع… وبعد اختيار المحتوى ينتقل المخططون إلى عملية أخرى تتمثل في ضرورة تنظيمه هذا المحتوى وذلك وفق المبادئ التنظيمية الرئيسية، والتي نجد من أهمها المبادئ التالية :
التتابع الزمني: أي تسجيل الأحداث التاريخية وترتيب المعارف حسب تاريخ اكتشافها .
الانتقال من الكل إلى الجزء : ويعني ذلك الانتقال من المعارف العامة الشاملة إلى المعارف الأكثر تفصيلا .
– الانتقال من المعلوم إلى المجهول : ويرتبط هذا المبدأ بتوظيف الخبرات السابقة للتلاميذ، فيتم الانطلاق منها في بناء الخبرات والمعارف الجديدة .
-الانتقال من المحسوس إلى المجرد : وهذا تماشيا مع مستوى النمو العقلي الذي يكون عليه التلميذ، فكلما زاد هذا النمو كلما سمح ذلك بالخوض في مواضيع أكثر تجريدا .
– الانتقال من البسيط إلى المعقد : فيكون الانتقال دائما من المعارف البسيطة السهلة الفهم، إلى المعارف الأكثر تعقيدا، وهذا حتى يتسنى للتلميذ التحصيل الجيد والتنظيم المقبول لهذه المعارف .
4- اختيار الأنشطة التعلمية وتنظيمها:
يشير مصطلح الأنشطة التعلمية إلى تلك المحددات البيداغوجية لتحقيق التفاعل الإيجابي بين المعلم والمتعلم من جهة وبين المتعلم والظروف الخارجية في البيئة التي يتواجد بها. وتتمثل أهمية هذه النشطة في إضفاء الحيوية والنجاعة على عمل المدرس. ويقوم تحديد هذه الأنشطة والخبرات على جملة من الأسس، نجد منها تحقيق أهداف تعلمية عديدة، إثراؤها لأنماط التعلم المختلفة، تتابعها المستمر، إتاحة فرصة العمل للتلميذ بمفرده، التدرج في الانتقال من الأنشطة الفردية إلى الأنشطة الجماعية، مراعاة مستويات الخبرات والأنشطة التعلمية من حيث درجة صعوبتها عند تطبيقها في القسم أو خارجه، حسن استعمال الوسائل التعليمية التي يطلبها تطبيق تلك الأنشطة… وسنعود لتقديم نماذج لهذه الأنشطة أثناء تقديمنا لنماذج من مناهج بعض المواد
5-اختيار الوسائل التعليمية وطرائق التدريس :
تدخل عملية اختيار الوسائل التعليمية وطرائق التدريس في صميم التوجيه البيداغوجي الذي يقدم للمعلم كسند لا يمكن الاستغناء عنه في توصيل المعارف وتحقيق مختلف الأهداف المسطرة. وترتبط هذه الوسائل والطرائق بالمادة الدراسية نفسها، بحيث لابد أن تكون مناسبة لها متلائمة معها حتى تسهل عملية الفهم وحتى يتجنب المعلم الطرق العقيمة التي تنفر المتعلم من المادة أكثر مما تشوقه فيها. وعادة ما يصاحب المناهج الدراسية وثائق مرافقة تشرح هذه العملية وتفصلها، أي أن مصممي المناهج لا يكتفون بتخطيط المحتويات بل يحددون إلى جانب ذلك وسائل وكيفية التطبيق .
6- تحديد إجراءات التقويم ووسائله :
يركز مخططو المناهج على أهمية وعي المعلمين بأهمية التقويم، فهو يشكل الأداة الرئيسية لإصدار الأحكام على مختلف مراحل العملية التعليمية التعلمية وعلى مدى تحقق الأهداف التربوية بشكل عام. فهو مهم للمعلم والتلميذ والأولياء والمسؤولين على النظام التربوي. فتطبيق المناهج الدراسية يبقى بعيدا عن تحقيق أهدافه ما لم تتم عملية التقويم. وفي هذا المجال فإن مصممي المناهج يولون أهمية كبيرة لتحديد مختلف وسائل التقويم وأساليبه ومراحله حتى لا يتركون للمعلمين ثغرة تحول بينهم وبين الحكم الصحيح على تلاميذهم وعلى أدائهم. ويستعمل المخططون للمناهج مجموعة من المعايير للحكم على فعالية التقويم، وتتمثل هذه المعايير فيما يلي :
• استمرارية وسائل التقويم.
• شمولية وسائل التقويم .
• تنوع وسائل التقويم .
• تغطية وسائل التقويم للجانب المعرفي عند التلاميذ .
• قياس وسائل التقويم لمدى نمو مهارات التلاميذ المختلفة .
• تركيز وسائل التقويم على الجانب الوجداني لدى التلاميذ .
• قياس وسائل التقويم لمدى التقدم الذي أحرزه التلاميذ في سبيل تحقيق الأهداف المسطرة .
• مدى إمكانية كشف مواطن القوة والضعف عند التلاميذ من خلال وسائل التقويم المطبقة.
7- تجريب المنهج الذي تم تخطيطه :
بعد إنجاز كل الخطوات السابقة يكون المنهاج قد وصل إلى صورته النهائية، ولكن قبل تعميم تطبيقه لابد من تجريبه على مستوى ضيق من أجل معرفة مدى صلاحيته ومناسبته للواقع الذي خطط له، وكذلك من أجل الوقوف على بعض الهفوات والأخطاء التي لم ينتبه لها المخططون أثناء الإعداد. ولابد في هذه الخطوة من الإعداد الجيد والتدريب الكافي للمعلمين المكلفين بالتجريب، وذلك بالتحديد الدقيق للمهام المطلوب تنفيذها وتحديد الجوانب التي سيتم تجريبها مثل المحتوى وطرق التدريس والوسائل التعليمية وتقويم المتعلمين… وتتطلب هذه الخطوة أيضا تحديد الكيفية التي يتم بها تحليل البيانات التي يتم التوصل إليها من خلال التجريب، وتحديد المعايير التي يتم على أساسها تفسير النتائج المتوصل إليها ليتم على ضوء ذلك إدراج التعديلات المناسبة والوصول تبعا لذلك بالمنهاج إلى صورته المستقرة التي تسمح بالانتقال إلى الخطوة الأخيرة من خطوات تخطيط المناهج الدراسية.
8- تعميم المنهج :
بعد التجريب في نطاق ضيق يصل المصممون إلى الخطوة الأخيرة وهي تسليم المنهاج المصمم في صيغته النهائية التي تجعله قابلا للتعميم على كافة المؤسسات التعليمية في الوطن. ويشترط في هذه الخطوة أن يكون عنصر المخاطرة في حده الأدنى، وهو ما يسمح بتطبيقه باطمئنان، وحتى في حالة وقوع بعض الأخطاء فإنها لا تعدو أن تكون أخطاء بسيطة لا تمس بجوهر المناهج سواء في الأهداف أو المحتوى أو إجراءات التنفيذ .