مقدمة
ويمكن اعتبار نظريات التعلم Learning Theory كطريقة وأسلوب لتنظيم لدراسة بعض المتغيرات في التعلم والنمو العقلي، والمعلم الجيد هو الذي يختار ما يناسب طلابه وطبيعة المادة الدراسية التي يقوم بتدريسها، فالفهم الصحيح لنظريات التعلم هو الذي يمكن المعلم من اختيار استراتيجيات التدريس المناسبة والاكثر فعالية لتدريس طلابه في كل موقف تعليمي على حدة.
وتصنف نظريات التعلم حسب الجانب الذي تركز النظرية عليه؛ فإما تركز على الجانب المعرفي والبنية المعرفية أو تركز على السياق الاجتماعي Social Context .
وبذلك تصنف إلى نمطين :
1 – نظريات التعليم المعرفية Cognitive Learning Theory
2 – نظريات التعليم الاجتماعي Social Learning Theory
والنمط الأول من نظريات التعلم يركز على البنية المعرفية للمتعلم وكيفية بنائها وإدخال المعارف الجديدة إليها عن طريق العديد من الاستراتيجيات المعرفية، مثل نظريات : برونر – أوزوبل – جانييه – بياجيه – بوجالسكي – دينز – سكنر .. وغيرهم من أصحاب الاتجاه المعرفي .
والنمط الثاني من نظريات التعلم يركز على السياق الاجتماعي الذي يحدث فيه التعلم، مثل البيئة المحيطة والسلوك والدافعية والحاجات . وتعد حاجات المتعلم هي أساس بناء المنهج وفق هذه النظريات ، مثل نظريات : ألبرت باندورا – جوليان روتر – فيجوتسكي – دافيدوف وغيرهم من أصحاب المنحى الاجتماعي .
عملية التدريس في ضوء النظرية
1-نظرية جيروم . س . برونر Gerome . S. Bruner
يفترض برونر أن كل فرد يمكن تعليمه أي موضوع في أي عمر وأنه ينبغي إثراء البيئة المحيطة به حتى يمكن تنمية واستثمار طاقة الفرد إلى أقصى مدى ممكن حيث ينمو تفكير الفرد من خلال تفاعله مع بيئته . وإن كل إنسان له تصور خاص لرؤية العالم من حوله وتفسير هذه الرؤية لنفسه ، والمعلم إذا فهم طريقة المتعلم في تصور عالمه فإنه يستطيع تعليمه أي موضوع .
ويعطي برونر للمتعلم دوراً نشطاً في تطوير المعلومات ويرى أن المتعلم ينبغي أن يكون قادراً على صياغة مشكلاته والبحث عن حلول بديلة بدلاً من البحث عن إجابة واحدة فقط ؛ فهو يهتم بالطريقة الشخصية التي ينمي كل فرد من خلالها مفهومه عن نفسه وعن عالمه .
ولذلك فهو يهتم بالتعلم بالاكتشاف ويعرفه بأنه إعادة تنظيم وتحويل البيانات والأدلة ليصل إلى ما وراء هذه البيانات والمعلومات المتاحة فيكتشف بيانات أو معلومات جديدة بالنسبة للمتعلم .
فالهدف من التعليم عند برونر هو نقل المعرفة إلى المتعلم وأيضاً تنمية اتجاه إيجابي نحو التعلم لديه، وتنمية مهارات الاستقصاء والاكتشاف لدى المتعلم بما يتيح له التفاعل بإيجابية مع بيئته الاجتماعية والفيزيقية ويهيئه للنمو العقلي.
طريقة العرض
يرى برونر أن طريقة العرض للمحتوى تعتبر ثلاثة أنماط ، هي :
1 – التمثيل العياني الملموس (بالعمل والنشاط) Inactive Mode
حيث توضح الخبرات بالملموسات والأفعال وخاصة المهارات الحركية .
2 – التمثيل الأيقوني Iconic Mode
حيث توضح الخبرات عن طريق الصور والرسوم والنماذج أو خرائط .
3 – التمثيل الرمزي والمنطقي Symbolic & Logical Mode
حيث تترجم الخبرات إلى لغة مما يتيح استنباط منطقي لحل المشكلة .
ويمكن للمعلم أن يختار إحدى هذه المراحل أو جميعها عند تقديم المادة الدراسية.
عملية التعليم
يهتم برونر بمهارات الاستقصاء أكثر من الاهتمام بالحقائق حيث يرى أن المتعلم إذا فهم بنية المعرفة فهذا الفهم يتيح له التقدم معتمداً على نفسه ، وبذلك فهو يعتمد على طريقة الاكتشاف في التدريس .
وطريقة الاكتشاف فيها عدة طرق فرعية ، منها :
الطريقة الاستقرائية – طريقة حل المشكلات – الاكتشاف الموجه – الاكتشاف الحر – الاكتشاف المفتوح – الاكتشاف الإرشادي .
2- نظرية روبرت جانييه Robert Gagne’
وضع روبرت جانييه مبادئ لنظرية في التعلم تعد نموذجاً للتعليم؛ حيث افترض ” جانييه ” أن كل مادة أكاديمية أو كل موضوع في هذه المادة أو كل جزء من هذا الموضوع له بنية هرمية Hierarchy تشمل قمتها أكثر الموضوعات أو الأجزاء تركيباً وتليها الأقل تركيباً حتى الأبسط في قاعدة البنية الهرمية .
وتعتبر موضوعات كل مستوى متطلب قبلي Prerequisite لتعلم الموضوعات الأكثر تركيباً منها في البنية المعرفية الهرمية.
وفي ضوء هذا الافتراض ، يرى ” جانييه ” أن المتعلم يكون مستعداً لتعلم موضوع جديد عندما يتمكن من المتطلبات القبلية اللازمة لتعلم هذا الموضوع . وبذلك فإن التخطيط للتعليم ينبغي أن يهتم بتحديد وترتيب المتطلبات القبلية اللازمة لتعلم كل موضوع داخل المادة الدراسية وأيضاً تلك التي تلزم لتعلم المادة الدراسية ككل ، ويعتمد في ذلك على تحليل المهام Task Analysis .
عملية التعليم
عند التخطيط لتدريس موضوع ما وفقاً لنظرية جانييه فإنه يتم تحليل الموضوع المراد تعليمه إلى مهام متدرجة من المركب للبسيط وفقاً لتنظيم هرمي قمته أكثر المهام تركيباً وقاعدته أكثرها بساطة ، وعند كل مستوى من مستويات التنظيم الهرمي يحدد الأداء المتوقع من المتعلم في صورة سلوك مستهدف .
وعند تنفيذ الدرس يتم البدء بقاعدة الهرم أي أكثر المهام بساطة وتعليمها للمتعلم وعندما يستوعب المتعلم المستوى الأكثر بساطة ينتقل للمستوى الأرقى تركيباً وهو ما يسميه ” جانييه ” الانتقال الرأسي للتعلم .
وهكذا يرى جانييه استخدام الأسلوب التحليلي في تنظيم المحتوى وتخطيط الدرس حيث يبدأ من المركب وينتهي بالبسيط ، بينما يقترح الأسلوب التركيبي في تنفيذ الدرس حيث يوصي بتدريس أبسط المهام ثم التدرج حتى الوصول إلى الأكثر تركيباً وهو المهمة الرئيسية .
3- نظرية دافيد أوزوبل David Ausubel
ترجع نظرية ” أوزوبل ” للتعلم القائم على المعني إلى عالم علم النفس المعرفي دافيد أوزوبل الذي حاول من خلال هذه النظرية تفسير كيف يتعلم الأفراد المادة اللفظية المنطوقة والمقروءة .
يرى ” أوزوبل ” أن كل مادة أكاديمية لها بنية تنظيمية تتميز بها عن المواد الأخرى وفي كل بنية تشغل الأفكار والمفاهيم الأكثر شمولاً وعمومية موضع القمة ثم تتدرج تحتها الأفكار والمفاهيم الأقل شمولية وعمومية ثم المعلومات التفصيلية الدقيقة .
وأن البنية المعرفية لأي مادة دراسية تتكون في عقل المتعلم بنفس الترتيب من الأكثر شمولاً إلى الأقل شمولاً ، ومن ثم يرى ” أوزوبل ” أن هناك تشابه بين بنية معالجة المعلومات في كل مادة وبين البنية المعرفية التي تتكون في عقل المتعلم من هذه المادة.
ويفترض أوزوبل أن التعلم يحدث إذا نظمت المادة الدراسية في خطوط مشابهة لتلك التي تنظم بها المعرفة في عقل المتعلم .
حيث يرى أن المتعلم يستقبل المعلومات اللفظية ويربطه بالمعرفة والخبرات السابق اكتسابها وبهذه الطريقة تأخذ المعرفة الجديدة بالإضافة للمعلومات السابقة معنى خاص لديه.
وقدم ” أوزوبل ” تصنيفاً للتعلم إلى أربعة أنماط على أساس بعدين :
البعد الأول : طريقة تقديم المعلومات بالاستقبال أو الاكتشاف .
البعد الثاني : طريقة المتعلم في ربط المعرفة الجديدة ببنيته المعرفية بالفهم أو الحفظ.
وتنقسم المنظمات المتقدمة إلى نمطين :
1 – المنظمات المتقدمة الشارحة Explanative Advanced Organizers :
ويستخدم هذا النمط حيث تكون المادة المراد تعلمها جديدة تماماً وغير مألوفة للمتعلم حيث تزود المتعلم ببناء تصوري عن موضوع التعلم بحيث يمكن ربطه بتفاصيل ذلك الموضوع .
2 – المنظمات المتقدمة المقارنة Comparative Advanced Organizers :
ويستخدم هذا النمط حيث تكون المادة موضوع التعلم مألوفة للمتعلم ومن خصائص هذا النمط من المنظمات المتقدمة أنه :
- يساعد المتعلم على إيجاد تكامل بين المفاهيم الجديدة والمفاهيم الموجودة في بنيته المعرفية .
- يساعد المتعلم على التمييز بين الأفكار الجديدة والأفكار الموجودة في بنيته المعرفية.
عملية التعليم
يقترح أوزوبل وفقاً لنظريته إستراتيجية معينة تستخدم منظم الخبرة المتقدم Advancement Experience Organizers وهو كما يرى ” أوزوبل ” مقدمة شاملة تمهيدية تقدم للمتعلم قبل تعلم المعرفة الجديدة وتكون على مستوى من التجريد والعمومية والشمول وبعبارات مألوفة لدى المتعلم . بحيث تيسر احتواء المادة الجديدة في البنية المعرفية للمتعلم عن طريق الربط بين الأفكار الجديدة المراد تعلمها وبين الأفكار الموجودة في البنية المعرفية للمتعلم .
4- نظرية جان بياجيه Jean Beaget
تُعد نظرية عالم علم النفس السويسري ” جان بياجيه ” للنمو المعرفي القائمة على المنهج الوصفي التحليلي في تناول النمو العقلي ؛ مدخلاً يتوسط المنحى السيكومتري والمنحى المعرفي في تناول النشاط العقلي المعرفي وقد بناها من خلال ملاحظة أطفاله الثلاثة في نموهم .
يفترض ” بياجيه ” في نظريته أن أي فرد يمكن أن يتعلم أي موضوع بشرط أن يناسب مرحلة النمو العقلي للفرد . وأن أي فرد يولد بقدر ضئيل من الانعكاسات العضوية والقدرات الكامنة في صورة استراتيجيات وهي بذلك تعد عنصر هام في البناء المعرفي للمتعلم . والإستراتيجية – من وجهة نظر بياجيه – هي الطريقة التي يستطيع الطفل من خلالها أن يتعامل مع المتغيرات البيئية خلال مراحل نموه من أجل حدوث تفاعلات جديدة بينه وبين البيئة وتتغير هذه الاستراتيجيات تبعاً لنضج الطفل وما يكتسبه من خبرات.
لقد اكتشف بياجيه أن الأطفال في نموهم العقلي يمرون بمراحل محددة، يتصف سلوك الطفل وتفكيره في كل منها بخصائص معينة ، ويشير بياجيه إلى أن مراحل النمو العقلي تتصف بالثبات في نظام تتابعها لدى كل طفل وفي كل ثقافة، ولا يعني هذا ثبات الحدود الزمنية، بل تختلف الحدود الزمنية من طفل لآخر في ذات الثقافة الواحدة.
مراحل النمو العقلي
قسم بياجيه النمو العقلي للطفل إلى أربع مراحل رئيسية وفق فئات عمرية:
1 – مرحلة التفكير الحس – حركي Sensory Motor Stage :
2 – مرحلة ما قبل العمليات (التفكير الرمزي) Preoperational Stage :
3 – مرحلة العمليات العيانية Concert Operational Stage :
– مرحلة العمليات الشكلية (التفكير المجرد) Formal Operational Stage
عملية التعليم
تقترح نظرية بياجيه مراعاة النمو العقلي للتلميذ وخصائصه النفسية وخاصة مفاهيم التمثيل والمواءمة والاستدخال عند عرض أي مادة جديدة
حيث يقسم بياجيه عملية التعلم إلى :
تمثيل مواءمة استدخال (للمعرفة الجديدة في البناء المعرفي للمتعلم)
وأيضاً تعطي نظرية بياجيه دوراً هاماً للإرشاد والتوجيه والتأكيد على البناء المعرفي .
مراجــــــع وقــــــراءات
(1) جابر عبد الحميد جابر : سيكولوجية التعلم .. نظريات وتطبيقات ، دار الكتاب الحديث ، الكويت ، 1989 .
(2) فتحي مصطفى الزيات : سيكولوجية التعلم بين المنظور الارتباطي والمنظور المعرفي ، دار النشر للجامعات ، القاهرة ، 1996 .
(3) فتحي مصطفى الزيات : الأسس المعرفية للتكوين العقلي وتجهيز المعلومات ، دار الوفاء ، المنصورة ، 1995.
(4) محمد أمين المفتي : قراءات في تعليم الرياضيات ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، 1995 .
مقدم البحث : محمد عيدو بركات