يعتبر الإشراف التربوي عملية ديمقراطية إنسانية علمية تهدف إلى تقديم خدمات فنية متعددة تشمل المعلم والمتعلم والبيئة التعليمية؛ وذلك من أجل تحسين الظروف التعليمية، وزيادة فاعلية التعليم وتحقيق أهدافه من حيث تنمية قدرات الطلبة في مختلف المجالات. ونظراً للدور المهم الذي يقوم به المشرفون التربويون فقد أنشأت وزارات التربية والتعليم في مختلف الأقطار مديريات وأقسام مختصة بالإشراف التربوي، والذين يتم اختيارهم من المعلمين المتميزين، ومن ذوي الخبرة والكفاءة العالية باعتبارهم معلّمو المعلمين، وأناطت بهم مسؤولية متابعة المعلمين والوقوف على احتياجاتهم، والعمل على تطويرهم بمختلف الوسائل المتاحة. كما أولت المشرفين التربويين الرعاية التامة من حيث تأهيلهم وتدريبهم على مختلف المجالات الإشرافية والتخصصية. وما هذه المادة العلمية إلا لَبِنَة من لَبِنات العمل على تطوير المعلمين؛ إيماناً بأهمية الإشراف التربوي، وذلك لأن المواقف التي يواجهها المعلم والمادة التي يتعامل معها هي في تغير مستمر في ضوء تطور العلم والحياة في كل يوم.
ويَذكر سيرجيوفاني وستارات (2007) أنّ العملية الإشرافية، مظهر من مظاهر الإدارة التربوية، وهي عملية قيادية تعاونية منظمة، تتمثل في السلوك القيادي الإشرافي الذي يقوم به المشرف التربوي القادر على إحداث التغيير والتطوير في العملية التعليمية على مدى الأيام. كما أنّ العملية الإشرافية تواكب التنظيمات الإدارية الحديثة والمتجددة في الميدان التربوي، لهذا تعتبر العملية الإشرافية رافداً من الروافد المهمة للإدارة التربوية. لذلك، تتأثر العملية الإشرافية بطبيعة السلوك الإداري الذي يمارسه المدير أو القائد التربوي، ويبني المشرف التربوي اتجاهاته انطلاقاً من هذه السلوكيات، كما أنّ المدير أو القائد التربوي يصدر أحكامه مراعياً الدور الذي يلعبه المشرف التربوي، من خلال السلوك الذي يؤديه هذا المشرف.
وتوصل آليان وباكون إلى تصميم دليل للمدير التربوي الفعال، جاء فيه أنّ الإشراف التربوي يجب أن يكون من بين الأولويات في الممارسة الإدارية التي تساعد على التنمية المهنية للمعلمين، وعلى تنمية وتطوير البرامج التعليمية. وفي ضوء هذا الدليل، اقترح المؤلفان فكرة المزج بين عمل المدير المدرسي وبين عمل المشرف التربوي، حيث يلعب مدير المدرسة دور المشرف التربوي المقيم، وذلك لضرورة المزج بين أدوار المشرف وبين الإدارة التعليمية المتجددة (العمري، 2003).
فانطلاقاً من أنّ الإشراف التربوي أحد جوانب الإدارة التربوية، الذي يعنى بالجانب الفني فيها، فإن العلاقة بين الإشراف والإدارة التربويتين تعتبر علاقة عضوية؛ لأنّ المدير يعتبر قائداً تربوياً في مؤسسته التعليمية، فهو ليس إدارياً محضاً، ولكنه أيضاً مشرف تربوي مقيم. لهذا تبرز أهمية هذا البحث في تسليط الضوء على الأدوار المتوقعة من المشرف التربوي في ضوء التنظيمات الإدارية الحديثة.
مفهوم الإشراف التربوي في ضوء المفاهيم الإدارية الحديثة
تطوَّر مفهوم الإشراف التربوي من نظام التفتيش الذي يقوم على أساس مراقبة عمل المعلمين وتصيّد أخطائهم، إلى عملية التوجيه التي تقوم على أساس التعاون بين المشرفين التربويين والمعلمين من أجل رفع كفاياتهم التعليمية، ثم إلى عملية الإشراف التي تهدف إلى مساعدة المعلمين في مواجهة مشكلاتهم التعليمية ومعالجتها بأسلوب علمي منهجي منظم. ويمكن تحديد المفهوم الحديث للإشراف التربوي على أنه: “مجهود منظم، وعمل إيجابي، يهدف إلى تحسين عمليات التعلم والتعليم والتدريب؛ وذلك لتنسيق وتوجيه النمو الذاتي للمعلمين ليزداد فهمهم التربوي وإيمانهم بأهداف التعليم، وبذلك يؤدون دورهم بصورة أكثر فاعلية” (الترتوري، 2006).
كما يعرّف على أنه: “عملية قيادية ديمقراطية تعاونية منظمة، تعنى بالموقف التعليمي بجميع عناصره من مناهج ووسائل وأساليب وبيئة ومعلم وطالب، للعمل على تحسينها وتنظيمها وتحقيق أهداف التعلم والتعليم” (الترتوري، 2006).
إن التعريف السابق يمثل نقلة نوعية تبتعد كثيراً عن مفهوم التفتيش وممارسة القائمين عليه، إذ يلغى نهائياً الاستعلاء على المعلمين وتجريحهم وتصيد أخطائهم. كما يتجاوز التوجيه الفني الذي قد يقف عند حدود متابعة عمل المعلمين في المدارس ومحاولة تصحيح ممارساتهم على ضوء الخبرة والنصيحة الوافدتين من خارج المدرسة، لارتباط التوجيه الفني بتميز الموجّه في مادة تعليمية بعينها.
ولم يعد الإشراف التربوي بمفهومه الحديث ذا مهمة واحدة فقط وهي مساعدة المعلم على تطوير أساليبه ووسائله في غرفة الصف؛ بل أصبح له مهام كثيرة ترتكز على تطوير الموقف التعليمي بجميع جوانبه وعناصره.
لهذا، يعرف الدويك وزملاؤه (1998) الإشراف التربوي على أنه: “عملية قيادية تعاونية منظمّة، تعنَى بالموقف التعليمي – التعلّمي بجميع عناصره؛ من منهاج ووسائل وأساليب بيئية ومعلم وتلميذ، وتهدف إلى دراسة العوامل المؤثرة في ذلك الموقف وتقييمها، للعمل على تحسين التعلم وتنظيمه، من أجل تحقيق أفضل الأهداف للتعليم والتعلم” (الدويك وآخرون، 1998).
ويشير آندرسون إلى أنّ الإشراف التربوي الجديد والمتجدد، هو العملية الأكثر التصاقاً بالنمو المهني للعاملين التربويين، والأقوى أثراً في تطوير كفاياتهم الأدائية التعليمية والإدارية المساندة لعمليات التعلم والتعليم، وفي تطوير المناهج التربوية والمواد التعليمية؛ لزيادة كفايات الأنظمة التربوية وزيادة مردودها وإنتاجها.
أما (كلارك) فيرى بأنّ الإشراف التربوي عبارة عن نظام إداري متكامل العناصر، له مدخلاته وعملياته ومخرجاته. ويرى بأنّ نظام الإشراف الجيد، هو الذي يعمل على تطوير الإشراف التربوي، وذلك من خلال الأخذ بالبُعد البنائي والبعد الثقافي والبعد التكاملي وبُعد الفعالية، وأنّ هذا النظام الذي يتناول هذه الأمور يكون أكثر فاعلية في تحقيق الأغراض المراد تحقيقها 1998
وبهذا، تغدو العلاقة بين الإشراف التربوي والإدارة التربوية، علاقة عضوية وتبادلية، يؤثر كلاهما في الآخر نتيجة للتطور الذي يطرأ على أحدهما فيؤثر ذلك التطور في الآخر، فإذا تغيرت الأدوار الإدارية والتنظيمية، يلزم من ذلك تغير في الأدوار الإشرافية، والعكس صحيح. وبناء على ذلك، يتميز الإشراف التربوي الحديث بالإيجابية والديناميكية والأفعال الديمقراطية، بهدف تحسين العملية التعليمية المتعلقة بالتلاميذ والمعلمين والمشرفين والمديرين وأولياء الأمور والمجتمع المحلي. فنتيجة لتطور مفهوم الإشراف التربوي، ظهرت أهمية الدور التربوي والقيادي للمشرف التربوي الذي يمزج في عمله بين الجوانب الفنية والإدارية المتطورة.
الوظائف الإدارية للإشراف التربوي
تتعدد الوظائف الإدارية للإشراف التربوي، ويمكن إجمال تلك الوظائف في النقاط الآتية (الحربي، 2006):
• تحمّل مسؤولية القيادة في العمل التربوي، وما يستتبع ذلك من توجيه وإرشاد واستشارة وتعيين وتنقلات… الخ.
• التعاون مع إدارة المدرسة في عملية إعداد وتوزيع الصفوف والحصص بين المعلمين.
• حماية مصالح الطلاب، والإسهام في حلّ المشكلات التي تخص الطالب والمعلم.
• المساعدة في وضع الخطط السليمة القائمة على أسس علمية.
• إعداد تقرير شامل في نهاية كل عام دراسي؛ يتضمن مختلف الفعاليات المتعلقة بالمادة، وطرق التدريس، ومستويات أداء المعلمين، ومدى تعاونهم، والخطط المستقبلية لتطوير أدائهم في ضوء نتائج التقويم.
• الإسهام في توفير خدمات تعليمية أفضل للتلاميذ والمعلمين والإدارة المدرسية.
• توفير المناخ الإداري الملائم لنمو المعلمين ونمو التلاميذ، وتحقيق أهداف العملية التربوية.
مهام إدارة الإشراف التربوي في مديريات التربية والتعليم
تعتبر إدارة الإشراف التربوي في إدارات التعليم المختلفة، امتداداً طبيعياً للإدارة العامة للإشراف التربوي في الوزارة، وتتمثل مهامّها في الآتي (الحربي، 2006):
1) الفعاليات الإشرافية:
• إعداد وتنفيذ خطة شاملة لتكامل العمل التربوي التعليمي في الميدان، بالتنسيق مع القائمين على التوجيه والإرشاد والنشاط الطلابي والتدريب التربوي، وغيرهم من ذوي العلاقة.
• دراسة خطط المشرفين التربويين، والتأكد من استيفائها الاحتياجات الميدانية، وإعداد الإمكانات اللازمة لنجاحها.
• متابعة العمل الإشرافي ميدانياً؛ للاطمئنان على مدى فاعليته، وتعزيز الإيجابيات وحل المشكلات.
• تحليل تقارير مديري مراكز الإشراف التربوي والمشرفين التربويين، والأخذ بمقترحاتهم.
• المشاركة في تدريب المشرفين التربويين، ومديري المدارس ووكلائهم والمعلمين، وخاصة المعينين حديثاً.
• الإشراف على مراكز الإشراف التربوي واستكمال تجهيزها، وهيكلها الإداري، وتفعيل دورها لتحقيق أهدافها.
• اقتراح الدراسات والبحوث والتجارب العملية في ميدان الإشراف التربوي وتنفيذها.
• تزويد الإدارة العامة للإشراف التربوي بتقرير شامل عن منجزات الإشراف في نهاية كل عام دراسي.
• المشاركة في إعداد الخطط التدريبية وتنفيذها.
• تنمية العلاقة الإيجابية بين المدرسة والمجتمع المحلي.
2) التنظيم الإداري:
• بناء قاعدة معلومات بشأن المشرفين التربويين ومديريها ووكلائها والمعلمين، لتوظيفها في تقويم وبناء الخطط المستقبلية.
• تقديم بيان بما تحتاج إليه الإدارة من المشرفين، واتخاذ الإجراءات لتكليفهم وِفق النظم والتعليمات، بعد تحديد الاحتياجات الفعلية من قبل الإدارة العامة للإشراف التربوي.
• المشاركة في إعداد مدى الاحتياج من المعلمين وتوزيعهم وفق إمكانياتهم، بما يكفل تحقيق التوافق بين تخصصاتهم وخبراتهم في المدارس، وبين الأعمال والمهام التي تسند إليهم.
• إعداد الحركة الداخلية للمشرفين التربويين، وتشمل مديري المراكز الإشرافية.
• اختيار واحد من المشرفين من كل قسم في الإشراف التربوي ليتولى رئاسة القسم بالإضافة إلى عمله، وتحديد مدة تكليفه بما يجب أن يقوم به من مهام.
• الإشراف على الإجراءات المتبعة لاختيار المديرين ومساعدي مديري المراكز وتكليفهم.
• تشكيل لجنة للنظر في قضايا المعلمين في ضوء التعليمات.
• تنفيذ الأنظمة والتعليمات الصادرة من الإدارة العامة للإشراف التربوي.
تطور أدوار الإشراف التربوي في المنظور الإداري
تغيّرت أدوار الإشراف تبعاً لتغير النظريات والتنظيمات الإدارية واتجاهاتها في القرن الأخير، ويجدر بنا أن نتعرف على هذا التطور ضمن المراحل التالية:
1) الإشراف التربوي والإدارة العلمية:
ترجع الإدارة العلمية إلى فريدريك تايلور وهنري فايول، وقد صنفا عناصر الإدارة العلمية إلى: التخطيط، والتنظيم، والتوجيه، والتنسيق، والمراقبة. وفي ظل هذه النظرية، فإنّ الإشراف التربوي ينظر إلى المعلم على أنه لا يعرف ما يجب أن يعمل، كما لا يستطيع أن يبحث عن المعرفة الحديثة والأفكار الجديدة، فضلاً عن أنّ أداءه سوف يبقى ناقصاً، الأمر الذي يبرر للمشرف أن يكون مركزياً في أدواره، وأن يقوم بالأدوار العليا من: التوجيه، والضبط، وتصيد الأخطاء والمثالب والتهديد بها أحياناً كثيرة. وهذا يجعل المعلم يعيش أجواء من الخوف والقلق على مستقبله الوظيفي الذي بات مرهوناً بتقرير المشرف. وفي ضوء هذه الظروف جميعاً، لم يحقق الإشراف التربوي الغاية منه، بل كان تأثيره سلبياً؛ إذ قتل إبداع المعلم ونموه المهني والشخصي، كما قلل ثقته بنفسه وبمعلوماته (مساعده، 2001).
2) الإشراف التربوي ونظرية النظم:
ظهرت نظرية النظم في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، وتمتاز هذه النظرية بالنظرة الشمولية للمؤسسة، وتعتبر أنّ كل شيء في هذا العالم مرتبط بشيء آخر من خلال علاقات متشابكة ومتداخلة. ومن هذا المنظور، فإنّ العملية الإشرافية ينظر إليها على أنها سلسلة من التفاعلات بين المعلم والمشرف التربوي، تبدأ بمدخلات وتنتهي بمخرجات. فعلى سبيل المثال، تتكون مدخلات النظام الإشرافي من المعلمين والتلاميذ والمناهج الدراسية والإمكانات المادية المتوفرة والبيئة المحلية، تتفاعل جميعها مع بعضها فيما يسمى بالعمليات، والمشرف التربوي يتفاعل معها جميعاً، ويبقى تفاعل المعلم والمشرف أهم أركان هذه العملية. أما المخرجات فتتمثل في المعلمين الذين أصبحت كفاياتهم التعليمية أفضل، والتلاميذ الذين أصبحوا في إنجازاتهم أعلى، يضاف إلى ذلك الاستخدام الأكثر فاعلية للإمكانات المتوافرة. وعلى هذا النحو يمكن القول، إنّ العملية الإشرافية قد تحقق أهدافها في تحسين العملية التربوية بمعناها الواسع والشامل (نشوان، 1992).
3) الإشراف التربوي والإدارة بالأهداف:
الإدارة بالأهداف: اتجاه جديد في الإدارة العامة، يهدف إلى زيادة فاعلية المنظمة الإدارية بالتركيز على تحقيق الأهداف عن طريق جميع أعضاء المنظمة في وضع الأهداف المرجوّ بلوغها، على أن تكون محددة زمنياً، وقابلة للقياس، واعتماد التقويم بالنتائج عن طريق التغذية الراجعة. والإشراف التربوي في ظل هذا التنظيم يصبح معتمداً على الإشراف بالأهداف، فمثلاً لو كان هدف الإشراف التربوي – بشكل عام- تحسين عمليتي التعلم والتعليم، فإنّ المشرف التربوي سيسعى إلى اشتقاق مجموعة محددة وواضحة من الأهداف الفرعية مستنبطة من الهدف العام، بمشاركة المعلمين في صياغة هذه الأهداف وتحديدها، ثم العمل مع المشرفين بدافعية وهمّة عالية.
وبناء على ذلك، فإنّ الروح المعنوية للمعلمين، والرضا عن العمل، وتحمل المسؤولية، والانتماء، ودرجة المشاركة في اتخاذ القرارات، جميعها تحتل درجة إيجابية عالية تمكّن المعلمين والمشرفين من العمل في جوّ تسوده المحبة والألفة، وسينعكس ذلك بالتالي على إنجاز فاعل للأهداف المرسومة (نشوان، 1992).
4) الإشراف التربوي والعلاقات الإنسانية:
ترجع حركة العلاقات الإنسانية إلى آلتون مايو الذي كشف عن أهمية المبادئ الإنسانية، والمعنويات، والعمل بروح الفريق، في إنجاز العاملين. ووجد أنّ الروح المعنوية العالية، والانسجام بين العاملين، وشعورهم باهتمام المسؤولين بهم، يزيد من إنتاجيتهم. وقد تأثر الإشراف التربوي بهذا الاتجاه، وأصبحت النظرة مرتكزة على إيجاد علاقات إنسانية إيجابية بين المشرفين التربويين والمعلمين، تعزز ثقتهم بأنفسهم، وتثير دافعيتهم، وتزيد من تحصيل طلابهم.
كما أكّد هذا الاتجاه، ضرورة كسر الحواجز بين المشرفين والمعلمين، واعتبار ضرورة قيام العلاقة بينهما على الاحترام والثقة والمودة والجسور الواصلة بينهما، في ضوء تفاعل متبادل ينطلق من النظرة إلى المعلم على أنه إنسان قادر على البحث، ومندفع إلى الجديد، وقادر على التعامل مع طلابه وتنميتهم عقلياً وجسدياً وانفعالياً (مساعده، 2001).
5) الإشراف التربوي والمنحى التكاملي:
ويعني: تكامل المهام التربوية والإدارية والفنية بين المشرف التربوي، وبين الإدارة التربوية، للعمل معاً على تحسين نتاجات العملية التربوية، عن طريق التركيز على كل ما يتعلق بالعملية التعليمية ويؤثر بها. وبهذا، يناط بالمشرف التربوي دور صاحب العلاقات الذي ينظم مختلف عمليات التفاعل والاتصال، وهو الذي يجعل المعلمين يدركون حاجاتهم الوظيفية، ويساعدهم على إشباعها، كي يؤدي هذا إلى نمو المعلمين، وبالتالي تتضاعف كفاءتهم وتزداد مقدرتهم على تنمية أنفسهم بأنفسهم، أو بواسطة المشرف. وفي إطار هذه النظرة، لم العملية الإشرافية مقتصرة على جانب أو مدخل من المدخلات أو على عملية أو إجراء أو نشاط من تلك التي تتشكل بها العملية التربوية، باعتبارها نظاماً متكاملاً ومتداخلاً ومترابطاً من العناصر والمكونات، وإنما أصبحت عملية تتصف بالشمول والوحدة والتكامل (1995).
بعبارة أخرى، يهدف المنحى التكاملي للإشراف التربوي، إلى رفع كفاية الإشراف التربوي، وذلك من أجل تحسين العملية التربوية، وتحقيق نقلة نوعية في النظام التعليمي، والمشاركة والتفاهم في متابعة التطوير والإبداع في المدرسة.
مع ملاحظة أنّ المنحى التكاملي يعتمد على توظيف عدد من الأدوار والوسائط الإشرافية من أجل بلوغ هدف أو أهداف معينة. فهناك الدراسة الذاتية، وأوراق العمل وحلقات النقاش، والاجتماعات الفردية والجماعية، والزيارات الصفية وما يتلوها من اجتماعات بَعدية، والدروس التوضيحية الواقعية والمصورة، والبحوث الإجرائية، والبرامج التدريبية الصيفية والقصيرة، والحملات الإشرافية، والتقويم الذاتي، والمشاغل التربوية، والحقائب التعليمية، فيمكن استخدام هذه الأدوار والأساليب أو بعضها على نحو متكامل يتمم بعضه بعضاً، في سبيل تحقيق أهداف معينة.
تصور مقترح لأدوار الإشراف التربوي في ظل التنظيمات الإدارية الحديثة هناك مجموعة من الأدوار الإشرافية والإدارية تسهم في تحقيق أهداف المؤسسة التعليمية، منها:
أولاً- تهيئة المعلمين الجدد لعملهم:
يتم إعداد المعلمين للمهمات التعليمية في الجامعات وفي كليات إعداد المعلمين، ويتم تدريبهم على مطالب العمل ميدانياً أثناء الدراسة. ولكنهم من ناحية عملية يواجهون مشكلات حقيقة عندما يباشرون أعمالهم الفعلية في المدارس التي يعينون للعمل فيها. وتقع على جهاز الإشراف التربوي بالتعاون مع إدارة المدرسة مسؤولية إعداد المعلمين الجدد لعملهم.
ثانياً- عقد الدورات للمعلمين أثناء الخدمة:
يتصل المشرف التربوي يومياً بالميدان في هذه المدرسة أو تلك، ويطلع على جوانب العمل وعلى المشكلات التي يواجهها المعلمون، وعلى جوانب النقص في الخدمات التعليمية المقدمة للتلاميذ. وعلى ضوء ذلك يستطيع المشرفون التربويون، وبجهد تعاوني اقتراح بعض الدورات التي تعالج جوانب الضعف التي يلاحظونها، ومن هذه الدورات ما يلي (الترتوري، 2006):
1. دورة لاستخدام الحاسب في التعليم، وفي تصميم الوحدات التعليمية الإلكترونية (إنتل).
2. دورة لتعليم معلمي المرحلة الأساسية استخدام أسلوب المجموعات في التعليم.
3. ورشة عمل في القياس والتقويم التربوي لتحسن أداء المعلم في الاختبارات، وفي قياس النواتج التعليمية.
4. ورشة عمل لتدريب المعلمين على استخدام المواد الأولية المتوفرة في البيئة في صنع الوسائل التعليمية.
5. دورة لتدريب المعلمين على إثارة اهتمام الطلبة بالأنشطة.
6. دورة للمعلمين المشرفين على المكتبات المدرسية لتعريفهم بالأساليب المناسبة لتفعيل دور واجتذاب الرواد إليها.
7. دورة لتدريب المعلمين على طريقة جديدة في التدريس.
ثالثاً- عقد وإدارة الاجتماعات مع المعلمين:
وقد تأتي هذه الاجتماعات في مطلع العام الدراسي الجديد، حيث يلتقي المشرف التربوي بمدرسي إحدى المواد ويناقش معهم المنهج الدراسي لهذه المادة، والكتاب المقرر، وكفاية دليل المعلم. ويكون من ثمرات هذا الاجتماع إثارة انتباه المعلمين لبعض الجوانب الهامة في المنهج، والوقت المناسب من الفصل الدراسي لتناول هذا الجاذب. كما قد يأتي الاجتماع بمناسبة اقتراب موعد الامتحانات النهائية. كما قد يأتي الاجتماع بعد انتهاء الامتحانات، وقد يأخذ الاجتماع شكل ورشة عمل لتحليل الأسئلة التي استخدمها المعلمون (الترتوري، 2006).
رابعاً- العمل على تطوير المنهج:
إن عملية تطوير المنهج ليست مهمة الإدارة العامة للمناهج بوزارة التربية والتعليم، وإن كانت هذه الإدارة هي من ينظم عملية التطوير، وتطوير المنهج ليس عملا فردياً يقوم به المختص التربوي. بل يأتي التطوير كثمرة لجهد مشترك يساهم في تحقيقه المشرف كقائد تربوي بالتعاون مع المعلمين الذي نفذوا توجيهات المنهج ميدانياً.
خامساً- عرض نماذج للمحاكاة في إدارة الصفوف:
إن نجاح عمل المعلم في داخل غرفة الصف يتأثر بشكل كبير بنجاحه في إدارة الصف، فلا يكفي أن يكون المعلم متعمقاً في مادة تخصصه، وأن يكون المنهاج حديثاً ومتطوراً، كما لا يكفي اعتماد طرق متميزة في التدريس واستخدام وسائل نافعة إن لم يجد المعلم سبيلا إلى إدارة الصف بطريقه فعاله. ويستطيع المشرف التربوي، ومن خلال زيارته الميدانية أن يتعرف على المعلمين اللذين يكونون قدوة في هذا الأمر، ويعقد بعد كل حصة حلقة لمناقشة الاستراتيجيات التي اتخذها المعلم ويقدم تفسيراً لكل استراتيجية بما يساعد على توليد القناعات بالأخذ بمثل هذه الاستراتيجيات في العمل (الترتوري والقضاه، 2006).
سادساً- المشاركة في اختيار المعلمين وتوزيعهم على المدارس:
إن المشرف كحلقة وصل بين الإدارة في المركز والميدان يستطيع أن يساهم مساهمة فعالة في تقديم صورة عن احتياجات المدارس من المعلمين في واحد أو أكثر من التخصصات، كما يساعد في التوصية باختيار المعلمين الذين يناسبون حاجات هذه المدرسة أو تلك في تخصـص معين.
سابعاً- تدريب المعلمين على إدارة الوقت:
إن عملية تنظيم الوقت داخل غرفة الصف لها أهمية كبرى في الإدارة الصفية الفعالة، وتتضمن مهام المعلم في ضوء تدريبه على تنظيم الوقت:
1. تحديد الوقت المناسب لكل وحدة دراسية بما يتلاءم مع مضمون وأهمية الوحدة.
2. تحديد الوقت لكل نشاط، بحيث لا يهمل نشاطات معينة.
3. تحديد الوقت اللازم لإعطاء التوجيهات وأخذ الحضور والغياب وما شابه ذلك (الترتوري والقضاه، 2006).
ثامناً- الاتصال الفعال:
إن لاستثمار المشرف لموقعه كحلقة اتصال بين الإدارة والميدان في العمل أهمية باللغة في توفير التغذية الراجعة للعاملين في الأنشطة المختلفة في مجال التربية والتعليم، على مستوى التخطيط والتنظيم والقيادة والتطوير والتقويم والعلاقات مع البيئة المحلية (الترتوري، 2006).
تاسعاً- كتابة التقارير الفنية:
تعد عملية كتابة التقارير الفنية من أهم العمليات الإدارية للمشرف التربوي، على جميع المستويات. حيث تسهم في عملية الاتصال وفي تقنينها، كما أنها تساهم في توفير الوقت وفي تقديم التغذية الرجعية اللازمة لتقييم أداء المعلم (الترتوري، 2006).
عاشراً- إدارة ضغوط العمل:
من الأمور التي يلاحظها المعلمون أو المراقب لأحوالهم، الضغط النفسي الذي يتعرض له بعضهم أثناء العام الدراسي سواء داخل الفصل أو خارجه. ولهذا الضغط النفسي علامات، منها:
1. الشعور بالنفور من التدريس والملل من الفصل والطلاب.
2. انخفاض الدافعية للمشاركة في أنشطة المدرسة.
3. عدم الاهتمام بالإعداد للدرس، وأداؤه بأقل قدر من الجهد والوقت.
4. التأخر في الذهاب للفصل وعدم متابعة واجبات الطلاب.
5. الإكثار من ذم الطلاب واتهامهم بالكسل وعدم الفهم (وقد يكون هذا صحيحاً!).
6. كثرة التذمر من أوضاع المدرسة وأوضاع التعليم بشكل عام. فالضغط النفسي حالة يشعر فيها المعلم بأن جهده يضيع سدى وليس له ثمرة وأنه يبذل كل ما عنده ولا أحد يقدر أو يستفيد. وهذه الحالة إذا لم يسارع في علاجها فقد يكون لها أثر سيء على الطلاب وعلى جو المدرسة العام. بل قد يتعدى أثرها إلى مستقبل المعلم التعليمي نفسه، بحيث تترسخ هذه النظرة فتؤثر على نظرة المعلم للطلاب والتعليم بشكل عام.
ولا يمكن إزالة ضغوط العمل في أي مؤسسة تعليمية بشكل كلي، ولكن يمكن التخفيف من حدة ضغط العمل أو إدارته من خلال عدة أساليب نذكر منها على سبيل المثال ما يأتي (الترتوري، 2006):
الأسلوب الأول: الاستعداد للضغوط: بإعطاء المعلمين نظرة واقعية عن العمل الذي سيقومون به، وإخبارهم بمعدل الجهد الذي سيبذلونه لإنجاز الأعمال التي يجب عليهم أداؤها، وذلك عن طريق تنظيم مجموعة من البرامج التحضيرية التي توضح الصعوبات التي يمكن أن يواجهوها.
الأسلوب الثاني: تقسيم العمل: إذا كان المعلم محملاً بأعباء عمل كثيرة، فإن تقسيم العمل بينه وبين الآخرين قد يساعد في تخفيف عبء العمل.
الأسلوب الثالث: المساندة الاجتماعية: وذلك بتفعيل فريق العمل، لمساندة المعلم الذي وقع عليه ضغطاً في عمله. أما إذا كان الضغط جماعياً فلا بد من تفعيل جميع المعلمين، والتركيز على إيضاح العبارة التالية: “إن الضغط لن يزول إلا إذا عمل الفريق كاليد الواحدة”.
الأسلوب الرابع: الاختيار السليم للمعلمين عند التعيين: وذلك للتوفيق بين خصائص الفرد من ناحية، ومتطلبات التدريس وبيئة العمل من ناحية أخرى.
الأسلوب الخامس: رفع المهارات والقدرات: بمساعدة المعلمين على تعلم ممارسة وظائفهم بصورة أكثر فعالية وبضغوط أقل، وذلك عن طريق إقامة دورات تدريبية وتحفيز المعلمين المتميزين في أعمالهم بمكافآت أو تقديم الجوائز لهم.
الحادي عشر- أساسيات التخطيط وتنفيذ الدروس اليومية:
وتتضمن هذه المهمة تدريب المعلمين على القضايا التالية:
1) صياغة الأهداف السلوكية:
إن الغاية من صياغة الأهداف السلوكية هي:
• أن يتعرف المعلم على عناصر الهدف السلوكي.
• أن يتعرف المعلم على أهمية وضع الأهداف في تحسين التعليم.
• أن يطبق المعلم أسلوب وضع الأهداف قبل البدء بتدريس أي وحدة (الترتوري والقضاه، 2006).
2) استخدام الوسائل التعليمية :
إن من أهم الأدوار التي يلعبها المشرف التربوي هي تدريب المعلمين على استخدام الوسائل التعليمية، وقد أوضحت الدراسات والأبحاث أن الوسائل التعليمية تلعب دوراً جوهرياً في إثراء التعليم من خلال إضافة أبعاد ومؤثرات خاصة وبرامج متميزة. إن هذا الدور للوسائل التعليمية يعيد التأكيد على نتائج الأبحاث حول أهمية الوسائل التعليمية في توسيع خبرات المتعلم وتيسير بناء المفاهيم، وتخطي الحدود الجغرافية والطبيعية. ولا ريب أن هذا الدور تضاعف حالياً بسبب التطورات التقنية المتلاحقة التي جعلت من البيئة المحيطة بالمدرسة تشكل تحدياً لأساليب التعليم والتعلم المدرسية، لما تزخر به هذه البيئة من وسائل اتصال متنوعة تعرض الرسائل بأساليب مثيرة ومشرقة وجذابة. كما أنّ اشتراك جميع الحواس في عمليات التعليم يؤدي إلى ترسيخ وتعميق هذا التعلّم والوسائل التعليمية تساعد على اشتراك جميع حواس المتعلّم، وهي بذلك تساعد على إيجاد علاقات راسخة وطيدة بين ما تعلمه التلميذ، ويترتب على ذلك بقاء أثر التعلم (الترتوري، 2006).
3) التدريب على أساليب التدريس المختلفة:
أسلوب التدريس هو الكيفية التي يتناول بها المعلم طريقة التدريس أثناء قيامه بعملية التدريس، أثناء قيامه بعملية التدريس، أو هو الأسلوب الذي يتبعه المعلم في تنفيذ طريقة التدريس بصورة تميزه عن غيره من المعلمين الذين يستخدمون نفي الطريقة، ومن ثم يرتبط بصورة أساسية بالخصائص الشخصية للمعلم.
ومن أشهر طرق التدريس: طريقة الإلقاء، وطريقة طرح الأسئلة، وطريقة المناقشة، وطريقة الحوار، وطريقة التدريس من خلال المشروعات، وأسلوب التدريس التعاوني أو التعلم من خلال المجموعات، وطريقة الاستكشاف، والتعلم من خلال حل المشكلات.
4) تحقيق الإدارة الصفية الفعالة:
تعرّف الإدارة الصفية على أنها: “كل ما يقوم به المعلم داخل غرفة الصف من سلوكيات سواء كانت لفظية أو عملية، مباشرة أو غير مباشرة، بحيث تحقق الأهداف التعليمية والتربوية المرسومة كي يحدث في النهاية تغير مرغوب في فيه في سلوكيات الطلبة (الترتوري والقضاه، 2006).
ويلعب المشرف التربوي دوراً مهماً تدريب المعلم على إدارة الصف، من خلال تدريبه على مجمل عمليات التوجيه والتفاعل التي يتبادلها المعلم مع طلبته وأنماط السلوك المتصلة بها، وذلك لجعل عملية التعليم والتعلم في غرفة الصف أمراً ممكناً وهادفاً ومشوقاً، للحصول على أفضل النتائج بأقل جهد ووقت ممكن (الترتوري، 2006).
5) التقويم المرحلي والختامي:
يعتبر التقويم ركناً أساسياً من أركان أي عمل تربوي منظم وهادف. إن التقويم التربوي هو عبارة عن عملية مخططة لجمع المعلومات المنظمة في ضوء معايير علمية محددة بهدف إصدار حكم موضوعي على قيمة العمل التربوي.
ويقوم المشرف التربوي بتدريب المعلم على أساليب التقويم في مستوياته المختلفة، ومنها:
• التقويم القبلي: ويتم قبل البدء بتنفيذ الدرس من خلال تقويم خطة العمل نفسها، والأساليب والأدوات المقترحة لها.
• التقويم المرحلي: وهو عملية مستمرة، تتم في نهاية كل وحدة دراسية، ويستفاد من نتائجه في العلاج المبكر وتوفير التغذية الراجعة المستمرة لتحقيق تعلم أفضل.
• التقويم الختامي الشامل: ويتم في نهاية الفصل أو العام الدراسي، ويمكن أن يستفاد من نتائجه في التعرف على مستوى الطلبة وما حققوه من تقدم، وقياس الأهداف المتحققة من عملية التعليم، كما يستفاد من نتائجه في تقويم فاعلية التدريس (الترتوري، 2006).
6) تدريب المعلم على إعداد خطة الفصل اليومية:
إن الهدف من إعداد الخطة الصفية هو تنظيم عملية التعليم وفق الأهداف المرسومة. وتتضمن الخطة اليومية: وضع الأهداف العامة والسلوكية من الوحدة الدراسية، وكذلك تعداد الوسائل والأنشطة وطرق التدريس التي سيستخدمها المعلم/ المعلمة، وكذلك تحديد الزمن التقريبي لتحقيق كل هدف من الأهداف الموضوعة، وكذلك طرق تقويم الطلبة للتحقق من بلوغ الأهداف.